حمارُ الحاخام حكيمٌ.. أمّا حماري أنا فحمار

العدد (5 ) من سلسلة مقالات بعنوان : " برّ وتوكلات حكماء صهيون" . 

نعرض فيها بعضاّ من مقتطفات الروايات والقصص التراثية ، حول حكمة وبرّ وصلاح وتقوى حكماء بني صهيون من الشعب اليهودي عبر التاريخ . نحن بحاجة لأن نتعلم دائماً الحكمة ومن كل مصادرها، خاصة في عصرنا وأيامنا التي يتوفر فيها كل شيء ما عدا الحكمة التي شحّت كثيراً ونحن بأمس الحاجة اليها لنعيد بناء الانسان بشكل متكامل، لتكون حياته وعلاقاته متوازنة ومتكاملة في كافة مستوياتها. والتراث الانساني غزير بالدروس وبالحكمة .

 

يعتبر الحاخام حنينا بن دوسا ( חנינא בן דוסא ) واحداً من بين أكبر حكماء بني صهيون في القرن الأول الميلادي ، وكان تلميذا لمعلم وحكيم صهيون الكبير والشهير (يوحنان بن زكاي). 

حين وفاته دُفن حنينا في بلدة عرابة   עַרָבָּה في الجليل، التي تسمى أيضاً بعربة البطوف.

من أقوال هذا الحاخام القديس

مَن (مخافته لله) وخوفه من الخطيئة تتجاوز حكمته ، فحكمته ستدوم. لكن من تتجاوز حكمته هذه المخافة سوف لن تدوم حكمته

الرجل الذي تكون أعماله أكبر من معرفته ، فمعرفته ستدوم ، لكن من تكون معرفته أكبر من أعماله سوف لن تثبت معرفته.

الرجل الذي مَلكَ ارادة صالحة للبشرية فهو حبيب الله ، لكن من لا يحبّ البشر فليس بمحبوب من الله.

 

يُروى أن الحاخام حنينا كان يملك حماراً نشأ وكبر في بيته ، وكان الحمار معتاداً على حمل الرجل الصالح الحاخام حنينا على ظهره ، في تنقلاته

في أحد الأيام وبينما كان الحمار يتجول في حقل الحاخام لوحده يلتهم من العشب والحشائش الخضراء في الحقل، مرّ مجموعة من اللصوص ورأوا الحمار وهو بحالة جيدة وقوياً، 

فقال أحدهم للآخر: لنسرق هذا الحمار القويّ فانه سيخدمنا كثيراً في حمل المواد التي سرقناها، وسيتمكن من خدمتنا في مهماتنا الكثيرة". 

فتقدموا نحوه وربطوا عنقه بحبل وسحبوه معهم الى أن وصلوا مكانهم السري في حقول إحدى البلدات. ولاحظوا بعد بعض الوقت أن يبدو على الحمار التعب والارهاق،  فعللوا ذلك لسبب العطش والجوع ، فأعطوه ليشرب ماءاً مع بعض الشعير ليأكل . لكنهم لاحظوا أنه لم يأكل شيئاً ولا يبدو على مايرام

احتار معه سارقوه، وظلّ على هذه الحال رافضاً أن يأكل شيئاً أو أن يشرب الماء لمدة ثلاثة أيام ، كما أنه توقف عن الحركة فظلّ جامداً في ذات المكان من الحقل

يبدو أن الحمار قد شعر بأنه مسروق وليس في بيته وما يقدّم له للأكل يبدو كذلك مسروقاً هو الآخر فلم يأكله ؟

احتار اللصوص مع حمار الحاخام حنينا بن دوسا ، وفكروا بأنه سوف لن يخدمهم وهو على هذا الحال من الضعف ، ففكروا أن يحلّوه من الحبل المربوط به ليلاً ويتركونه حراً. وأخيرا فعلوا ما فكروا به وتركوه. فخرج السيد الحمار المنهك من الجوع ويظهر عليه الحزن والضعف. لكنه شعر أكثر بالحرية ، وبدأ بالسير طيلة تلك الليلة ، وعند الفجر تمكن من الوصول الى بلدته واتجه الى دار الحاخام ، لكن بوابة الدار كانت لا تزال مقفلة في تلك الساعة المبكرة والحاخام واسرته لا زالوا نياماً. فبدأ الحمار بالنهيق خارجاً بصوت عالٍ وكأنه يطلب من أصحابه فتح البوابة.

صحى ابن الحاخام وبدى له أنه يسمع نهيق حمارهم المفقود ، وتأكد من نهيقه فأيقظ أبيه الذي سمع هو الآخر نهيق حماره ، طالباً من ابنه أن يذهب بسرعة ويرى الحمار ويفتح له البوابة. فذهب وفعل. فاندهش حين رؤيته حمارهم  العائد متعباً منهكا هزيلا وليس على ما يرام ، فأسرع لحمل ما يسعفه به،  فبدأ الحمار بالأكل من جديدٍ بنهمٍ ومنتشيا من جديد. وعاد الى العمل في خدمة الحاخام الصالح حنينا .

 

المحادثة بيني وبين الحكيم الحاخام حنينا :

قلت للحاخام : هنيئاً لك، وما أسعدك يا حاخام بحمارك الذي تعلم الوفاء والحكمة منك

 وما أسخمني وأسخم حظي بحماري أنا !

ردّ الحاخام مستغرباً : ولماذا ؟ وماذا فعل بك حمارك ؟ !

أجبته أنا : حمارك أنت عصى على اللصوص إجباره للخضوع لهم وطاعتهم ، فاعتصم وصام عن الأكل والشرب لديهم ، ورفض أن يخدمهم رفضاً قاطعاً

أما حماري أنا ، فيا لحظي العاثر ويا لتعاستي مع حماري .

حماري أنا اتفق مع اللصوص الذين سرقوه مني ، 

ولم يشتغل حماري ويساعد اللصوص في النهب والسرقة وحمل كل ما يسرقون فقط، 

بل وصلت به حماقته ووقاحته الى حدّ 

أنْ جاء بهم الى بيتي 

فاحتلوه وسرقوا كل ما فيه من ثروتي 

وثروة أبنائي الطيبين المساكين .

وحمّل اللصوصُ على ظهر حماري كلّ كنوز العمر،  

وقام حماري بنقله لهم الى بيوتهم ، 

وساعدهم في قتل من خدموه 

وأطعموه وأحبوه طول عمره 

فاعتدوا على أبنائي وقتلوا بعضهم ، 

وسرقوا كل شيء 

ولم يُبقوا لي إلاً الآهات والفتات 

وذكريات عمر فات .

سألني الحاخام : وما اسمك يا بنيّ ؟

أجبته : العراق