استراتيجية الانتخابات العامة في القانون الدولي

يستند المجتمع الدولي في تقديم المساعدة الانتخابية للدول التي تطلبها على المادة (21/ثالثا) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص على أن "ارادة الشعب هي أساس سلطة الحكم، ويتوجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة ودورية..."
ففي منظور الأمم المتحدة "تعد الانتخابات جزءا من مكونات إنهاء الاستعمار، التحولات الديمقراطية، وتنفيذ التوافقات السلمية في بلدان العالم، وقد لعبت الأمم المتحدة دورا رئيسيا في توفير المساعدة لعمليات التغيير المهمة هذه. وفي أيام إنهاء الاستعمار، أشرفت الأمم المتحدة وراقبت الاستفتاءات الشعبة التي أدت إلى تكوين دول مستقلة جديدة، واليوم؛ تتركز جهود المنظمة بإطراد، على توفير المساعدة التقنية لمساعدة الدول الأعضاء على بناء أنظمة انتخابات وطنية مستدامة وذات مصداقية...
ليس إرادة الشعب في حكم نفسه، هي القاعدة الوحيدة التي تعتمد عليها فلسفة الانتخابات، بل، تنبثق الانتخابات أيضا من الحريات الأساسية والحقوق السياسية التي أرسيت في القانون الدولي من خلال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) الذي وافقت جميع الدول الاعضاء في الامم المتحدة على أحكامه. فالمادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان تنص (1) لكل فرد الحق في الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون اختياراً حراً. (2) لكل شخص نفس الحق الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلاد. (3) إن إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة، ويعبر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة دورية تجري على أساس الاقتراع السري وعلى قدم المساواة بين الجميع أو حسب أي إجراء مماثل يضمن حرية التصويت.
كما نص الإعلان العالمي لحقوق الانسان على حريات وحقوق أخرى يجوز اعتبارها ذات صلة بالانتخابات، وهي: حرية الرأي والتعبير، حرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية، حق الانضمام الى النقابات، حرية التنقل، حرية التمتع بكافة الحقوق والحريات من دون تمييز وحق اللجوء الفعال الى القانون.
وفي هذا السياق، فان المواثيق والمعاهدات الدولية الأخرى لم تغفل أهمية الانتخابات كوسيلة فعالة تترجم إرادة المواطنين في اختيار من يمثلهم في السلطة ومن يحكم بالنيابة عنهم. فقد أكدت الفقرة (2) من المادة (25) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية حق المواطن في أن يَنتخب ويُنتخب في انتخابات نزيهة تجري بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري، بما يضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين.
كما تؤمن معاهدات أخرى خاصة بحقوق الانسان معايير متصلة بالانتخابات والبيئة المحيطة بها، فكل من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري عام (1966)، واتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة عام (1979)، تؤمن قاعدة قانونية إضافية تحول دون تقييد الحقوق في الانتخابات على اساس العرق، وتطالب بالمساواة في الحقوق الانتخابية بين الرجال والنساء . أما اتفاقية حقوق الاشخاص ذوي الاعاقة التي اعتمدتها الامم المتحدة عام 2006، فانها تطالب الدول والأطراف ان تكفل للأشخاص ذوي الاعاقة امكانية المشاركة بصورة فعالة وكاملة في الحياة السياسية والعامة على قدم المساواة مع الاخرين . بما في ذلك كفالة الحق والفرصة للاشخاص ذوي الاعاقة كي يصوتوا وينتخبوا ".
تأسيسا على هذا المفهوم، تعمل كثير من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على تضمين قوانينها الوطنية للمواثيق والقرارات الأساسية الصادرة عن الأمم المتحدة، مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 والميثاق العالمي حول الحقوق السياسية للمرأة لسنة 1952. وبالتالي يتعين على القوانين الوطنية في تلك الحالات، وكذا سياسات وأنشطة الإدارة الانتخابية، أن تأخذ بعين الاعتبار ما تنص عليه تلك المواثيق فيما يتعلق بجوانب مختلفة مثل: حق الاقتراع العام دون أي تمييز كان؛ سرية وحرية التصويت؛ حق المرأة في الانتخاب والمشاركة في الحكم؛ وحقوق الأقليات اللغوية وغيرها.
لذلك، ومع تطور العملية الإنتخابية وشمولها القسم الأكبر من دول العالم، أصبحت الدول التي لا تجري فيها انتخابات قليلة جدا وتشكل خروجا عن المألوف، وأيضا أصبحت عملية مراقبة العملية الإنتخابية من قبل المنظمات والمؤسسات الدولية والإقليمية والمحلية جزءا لا يتجزأ من صحة وشفافية العملية الإنتخابية، لتأتي تقارير هذه المؤسسات مقياسا لمدى نزاهة وشفافية وديمقراطية العملية الإنتخابية أو عدمه في بلد ما.
بناء عليه، ترسخت مجموعة معايير دولية لمراقبة الانتخابات العامة، ففي العام 2005 شارك ما يقارب من عشرين منظمة حكومية وغير حكومية دولية، بالتعاون مع شعبة المساعدة الإنتخابية للأمم المتحدة في وضع "إعلان مبادئ المراقبة الدولية للإنتخابات ومدونة قواعد السلوك للمراقبين الدوليين للإنتخابات" متضمنا المعايير الأساسية للمراقبة الدولية لانتخابات ودور المراقب يوم الانتخاب من خلال مسودة السلوك.
وفي العام 2010 إستكملت مجموعة من منظمات مراقبة الانتخابات المحلية بمبادرة من الشبكة العالمية لمراقبي الانتخابات المحليين وضع مبادئ للمراقبين المحليين "إعلان المبادئ العالمية لمراقبة حيادية الإنتخابات من قبل المنظمات المدنية وميثاق الشرف لمراقبي الانتخابات المدنيين الحياديين" مرسخة المبادئ والحقوق الرئيسية لمراقبة الانتخابات المحلية بالإضافة إلى سلوكيات المراقب. وذلك بهدف ضمان إجراء تقييم للعملية الانتخابية وتشجع على قبول نتائج الانتخابات، وبناء ثقة الناخب في العملية الانتخابية، وترسخ الحاجة إلى رصد حماية جميع حقوق الإنسان خلال فترة الانتخابات بحيث يسهل رصد الانتخابات. كما يمكن أن توفر مراقبة الانتخابات دعمًا غير مباشر للتربية الوطنية وبناء المجتمع المدني.
ولكن على الرغم من تأثيرات العملية الانتخابية في مجمل الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بالنسبة للدول التي تمارسها كوسيلة للوصول إلى السلطة، تبقى فاعلية الانظمة الانتخابية رهن تقيد تلك الدول والتزامها بالمعايير الدولية التي توصل المجتمعات إلى التعبير الحقيقي والصادق عن إرادة مجتمعية حرة تعكس رغبة الناخبين وتطلعاتهم.
يقول "أندرو اليس" وهو مدير العمليات للمعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية (انترناشونال آيديا) في استوكهولم، السويد (ثمة معايير عديدة يمكن استعمالها للحكم على الأنظمة الانتخابية. ومن الأمثلة على هذه المعايير مدى تمثيلها للناخبين، واستقرار الحكومة وفعاليتها، ومساءلة ومحاسبة الحكومة، ومساءلة ومحاسبة المسؤولين المنتخبين بصفتهم الفردية، وتشجيع الأحزاب السياسية القوية، وتعزيز المعارضة والمراقبة التشريعية. إلاّ أنه ما من نظام انتخابي واحد يستطيع تجسيد كل هذه المعايير إلى أقصى حد).
فإذا ما أًريد للشعب أن يترجم إرادته بشكل حر ونزيه، فانه ينبغي على الحكومات أن تعمل على صياغة نظام انتخابي شامل يأخذ في الحسبان الأهداف التالية:
1- التأكد من أن الانتخابات هي في متناول الناخب العادي وأنها صحيحة.
2- تشجيع التنمية السياسية والتعددية الحزبية.
3- تشجيع المواطنين على المشاركة الفاعلة في العملية الانتخابية.
4- تعزيز شرعية السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية.
5- ضمان قيام برلمان ذي صفة تمثيلية واسعة.
6- تشجيع قيام حكومة مستقرة وفعالة.
7- تنمية حس المسؤولية إلى أعلى درجة لدى الحكومة والنواب المنتخبين.
8- بلورة معارضة برلمانية.