تكتسح احزاب الاسلام السياسي نتائج الانتخابات البرلمانية في العراق، عن جدارة واستحقاق، منذ سقوط النظام السابق الى اليوم.
هذه الاحزاب والشخصيات لم تحقق شعبيتها الانتخابية بسبب برامجها الخدمية التي تعد بها المواطن، ولا خططها التنموية، فلم ينزل اي من مرشحي انتخابات الاربعاء القادم ببرنامج اقتصادي معين، ولم يشير احدهم على الاقل الى ان لديه ادنى فكرة عن حاجة التعليم او الصحة او السكن... او هموم المواطن الاخرى.
الدافع الوحيد للناخب الذي يصوت لهذه القوى هو الخوف المرضي من المكون الاخر، في مجتمع منقسم طائفيا بشكل يقرب من الاحتراب الداخلي.
الناخب الشيعي تهدده داعش من معقلها في الانبار، قبل ذلك كان طارق الهاشمي، وقبله كان الزرقاوي وقبله كانت القاعدة... وكلها مدموغة بدمغة الوهابية والبترودولار الخليجي.
الناخب السني تهدده ايران الصفوية التي تحد مخالبها من اجل تقسيم العراق والاعتداء على شرف السنيات واستخدام وسائل التصفية الجسدية لافراغ العراق من اهل السنة والجماعة.
الا ان الحقيقة هي غير ذلك، فـ " داعش " لا تمتلك القدرة الكافية لتهديد ارواح 15 مليون شيعي في العراق، وهي مجموعة غير منضبطة من المقاتلين الذي لا يمتلكون الخبرة ولا التقينة اللازمة لتهديد العراق وامنه، فقد استطاعت ميليشيات القوى الكردية في سوريا التي شكلت على عجل بعد انهيار الوضع الامني السوري ان تطردهم من جميع مناطقها، بل انها "البيشمركة السورية" وبرغم تواضع امكاناتها القتالية استطاعت ان تأسر امير هذه الجماعة، وكان بامكانهم اعدامه في الحال ولكنهم فضلوا مبادلته بمئات الاسرى المدنيين من العوائل الكردية التي احتجزتها داعش في قرى الحسكة.
ولا يمكن للمتتبع ان يعقل بان الدولة العراقية بكل امكاناتها الضخمة والدعم اللوجستي الامريكي غير قادرة على ان تقوم ما قام به مقاتلي القرى الكردية، او يصعب عليها عسكريا دخول الفلوجة، او على الاقل تأمين سد الفرات. الا ان وجود تنظيم داعش، وتهديده للمدنيين، الشيعة حصرا، هو ضرورة لبقاء هيمنة الاحزاب الدينية على الساحة الانتخابية.
وبالمقابل فان الناخب السني يخضع لعملية مماثلة، يسيطر عليه هاجس الخلاص من الهيمنة الايرانية الفارسية التي تعادي العرب والمسلمين، وتحاول بواسطة حاكمها المطلق في العراق، الجنرال سليماني، تفكيك البلاد وبيعها بالخردة الى معتمديها في المنطقة الخضراء، وفرس العراق. وفرس العراق حسب قوى الاسلام السياسي السني هم الشيعة في الجنوب.
ولكن الحقيقة هي ان ايران ليست لديها هذه القدرة ابدا، وهي اضعف من ان تستطيع لعب هذا الدور، فالعراق منطقة نفوذ امريكي اساسا، وما فضل عن الامريكان فانه يمثل ساحة صراع لقوى كثيرة، تشتبك فيها السعودية، تركيا، البلدان العربية، وبسبب ضخامة المخزون النفطي، تدخل اوربا وروسيا، بل وحتى بلدان شرق اسيا، حلبة الصراع، وليست ايران سوى دولة من هذه الدول المتجاذبة، وان كانت لها مناطق نفوذ فانها لا تتعدى العلاقات المكشوفة مع بعض الشخصيات الحكومية والبرلمانية في المنطقة الخضراء.
داعش من جهة، اذا، وايران من الجهة المقابلة، ليست لديهما القوة الكافية لتهديد وجود المكون الاخر، لكنهما اصبحا الدجاجتان اللتان تبيضان ذهبا للقوى الدينية على الجانبين. وحالة الخوف المستديم والهلع الذي يعيشه المواطن العراقي من هاتين الفزاعتين، من كلا الطائفتين، هو السبب الرئيسي الذي مكن القوى الدينية من اكتساح الانتخابات سابقا.
وعليه، وبسبب عدم كفاءة احزاب الاسلام السياسي في تقديم برامج خدمية، اقتصادية وسياسية ناجحة، فان عليها على الدوام، من اجل ان تواصل تربعها على مقاعد البرلمان، ويبدو انها نجحت على ابواب انتخابات الاربعاء القادم، ان تبقى اصبع الناخب الغلبان، بين مطرقة داعش، وسندان ايران.
|