نهر خوز

نهر خوز، الصنكر، السبيليات، القرى الخصيبية التي تقع على مرمى حجر عن شط العرب، ليست مجرد أماكن من طين ونخل وماء، فيها شممت أول مرة رائحة الطين المعجون بماء شط العرب، وطلع النخل، الرائحة التي أسرتني، وما زالت تعوضني عن "الوطن" الذي ضاع.

هناك في تلك القرى الثلاث، كان أهل أمي يقيمون لنا "كرنفالا" وقت زيارتنا لهم، تعلمت منهم معنى أن تكون بصريا، ثمة خصال عليك تعلمها وتبنيها واشهارها، وإلا لن تكون بصريا حتى لو انحدرت عن عوائل توطنت البصرة منذ مئات السنين.

في نهر خوز، حيث مسكن بعض خوالي، كنت أمر في اثناء طفولتي مع عائلتي على منزل تعلو بابه لوحة خشبية متآكلة، خط عليها جملة واحدة "حلاوة نهر خوز"، في هذا المنزل كان الأخوان ابراهيم وصالح، مع أبيهما، يعكفان على صناعة أشهر والذ حلاوة عراقية، بعد أن توارثوا خلطتها السحرية عن جدهم الذي يعود له فضل ابتكارها وتطويرها.

حينها لم يزعم أحد صناعتها سواهما، ولم تلحق عبارة "الأصلية" مع جملة "حلاوة نهر خوز"، كما هو الآن، في جسارة وصلافة، تفتقر إلى احترام الحد الأدنى لمبتكريها وصناعها الأوائل، رغم أن الأخوين ابراهيم وصالح، لم يشتكيا او يقوما بمقاضاة من قرصنها وزعم الانتساب لها، ويكتفيان بطيبتهما الخصيبية الصافية، بتجاهلهم.

اليوم زرت، محل ومعمل صناعة حلاوة نهر خوز، والتقيت بالحاج صالح، فرحت كثيرا عندما وجدته حيا، وسعدت كثيرا ان اخيه الاكبر الحاج ابراهيم، رغم كبر سنه ما زال على قيد الحياة، غير أنه لم يعد يزاول متعته الأبدية.

شكرته وعائلته على منحهم لنا الذ واشهى حلوى عراقية، وبسبب ابتكارهما وحرصهما على صناعتها، عشنا لحظات مليئة بالبهجة والمسرة.

في الصورة، أنا والحاج ابراهيم آخر مبتكري ومطوري حلاوة نهر خوز، في معمله ومحله بقرية نهر خوز، في ابي الخصيب.



من صفحة الكاتب في فيسبوك