ان ما تعرض له شيعة العراق على مر العصور من قتل وتشريد واضطهاد ليس بغائب عن الذاكرة الشيعية والانسانية بوجه عام , لاسيما مرحلة الدولة العراقية الحديثة التي جُسد بها التهميش والاستهداف وبأعلى درجاته وخصوصا مرحلة حكم البعث الدموي التي شهودها وضحاياها وجلاديها لا زالوا حاضرون في المشهد , لم تكن عملية اضطهاد طبيعية او تهميش نتيجة لمعطيات معينة بل هي حرب ابادة شنتها قوى الارهاب البعثي الشوفيني لتغير خارطة العراق السكانية وفق عقائد الفساد التكفيري الذي كان يقتل باسم الدولة والقانون , فكانت النتيجة مئات الالوف من الضحايا والمشردين ناهيك عن الاهمال والسرقات التي مورست بحق ثروة الجنوب العراقي لذا فمن الطبيعي ان تأخذ عملية اعادة العجلة في السكة الصحيح وقتا وجهدا منقطا وقبل هذا يجب ان تكون هناك مقدمات تؤسس لأرضية صالحة لذلك وهذا ما لم يحصل بل نجد ان عملية الاهمال تزداد اذا ما قورن حجم الثروة المستنزفة وطبيعة الحاكم ونظام الحكم , حيث ان الحكم في السابق كان قائم على شرعية احواض التيزاب وفرق الاعدامات .
قد يحسبها البعض انها الحقيقة , لكن الواقع يؤشر على عملية محبوكة لتضليل الرأي العام والتأثير به لأهداف انتخابية فقط , وهذه عادة ما تكون غير مدروسة ولا تمثل الطموح الحقيقي لفئات الشعب , نجد رايا غريبا يسود في الشارع العراقي مفاده ان الحكومة او رئيسها يدافع عن حقوق قومه ويريد القصاص من الاخرين تحت عناوين مختلفة , فتارة يكون العنوان ان الرجل يريد ان يعمل لكنهم يقيدوه وتارة اخرى انهم يريدون ارجاع البعث الى الواجهة واعادة الطائفة الاخرى الى الحكم , وفي الحقيقة ان العنوانين بمضمون واحد , نعرف ان البعث والداعمون له في الخارج والداخل يطمحوا بالعودة وهذا ما يجعلهم يبذلون كل طاقاتهم في سبيل اعاقة النظام الجديد (برلمانا وحكومتا وشعبا ) لكن بالمقابل نحن جميعا ماهي خططنا وادواتنا لمنع وافشال حركتا المتربصين ؟؟ فهل هم اقدر منا واكثر امتلاكا للأرض ؟ وان كانوا كذلك فهذه طامة كبرى وفشل ذريع لا يمكن تغاضيه , وفي الحقيقة لا ارى ان هذه الصورة تمثل المشهد بأكمله , بل اجد ويستطيع الجميع ان يكتشف ان الحكومة وباختصار شديد تلعب على الورقة الانجح وهي الورقة الطائفية التي من خلالها تستطيع تحشيد اكبر قدر ممكن من الجمهور وبطريقة بسيطة لا تستلزم شيء سوى التصريحات والكلام الفارغ الذي نجد على الواقع خلاف ما يدعيه رجال الحكومة , ولعل وجود قيادات حزب البعث في منظومة الحكومة ومفاصلها يؤكد هذا الامر وبوضوح , وليس بعيدا اذا ما اضفنا الى ذلك تبرع الحكومة بنفط العراق الى الاردن وبالمجان . ان المرجعية الدينية هي الممثل الاعلى للطائفة وهي تعتبر صاحبة الشأن التشخيص المصلحي للواقع العام واذا ما وضعنا رؤية المرجعية ورؤية الحكومة نجد ان هناك تناقض كبير يدلنا على زيف المدعيات الحكومية . انهم اذ يستخدمون الخصوصية الشيعية ويرفعون شعار ازالة المظلومية فأنهم يؤدون ذلك اعلاميا فقط اما واقعيا فالأمر مختلف جدا , فمن يريد احقاق الحقوق لا يمكن ان ينطلق من ظلم الاخر او ان يكون عبر اطلاق الخطابات النارية التي تبعث الحماس بالنفوس التي ارهقها الانتظار فضاعت بين الطموح نحو الرقي وبين احداث الازمة لركب موجتها لتأجيل ذلك الطموح وعدم المطالبة به كحق مشروع , وهذا ما يبرر لهم الاستمرار بهذا النهج الذي يضعنا في خطر لا يستشعر به الا اصحاب المشروع الحقيقي من الذين غلّبوا مصلحة البلد على مصالحهم و
على من يدعي الحرص على الناس ويسعى لرفع الحيف ان يترجم هذا على الواقع , على ماذا حصل شيعة العراق ؟ وماذا قدّمت الحكومة لهم ؟ مشاريع المقرنص والارصفة وملفات الفساد المسجلة ضد مجهول ؟ ام المحطات الكهربائية التي تجعلهم يهنئون بصيفهم اللاهب (2013 موعد تصدير الكهرباء المفقودة )؟ ام انهم حسبوا تعيينات الشرطة والجيش من انجازات الحكومة ؟ . اعتقد اننا يجب ان نفصل بين النظام السياسي والحكومة التي تعتبر سلطة تنفيذية ان انجزت فهذا واجبها وان قصّرت يجب ان تحاسب وبقوة , والنظام السياسي القائم في العراق اليوم يضمن حقوق الجميع وفق نسبة التمثيل بشرط عدم اختراق هذا النظام والتعامل بمسؤولية عالية مع الوضع الداخلي خصوصا مع المتغيرات الكبيرة الجارية في المنطقة العربية , لا يمكن ان نبقى ننتظر ساعة الحسم وسط ساحة الصراعات التي غالبا ما تنتج نارا وقودها الشعب الذي يرمي نفسه دون وعي , لا اعتقد ان هناك مواطنا واحدا يشعر بارتياح لما يجري والكل تزيد مخاوفه من المجهول الذي يصبح اشد ظلمة كلما تفاعلت الناس مع الازمات والعكس يحدث عندما يكون للناس رأي مضاد لأصحاب هذا النهج وعندها سنكون بمأمن ونستطيع ان نطمح بحرية وامان .
|