قبل أيام صوت ثمانية وأربعون نائباً في البرلمان اللبناني للمرشح الرئاسي سمير جعجع ، أي بنسبة تقارب الأربعين بالمائة.
سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية، انشق عن حزب الكتائب، شارك في الحرب الأهلية، أتهم وأدين بجرائم قتل واغتيال، وصدر حكم قضائي بإعدامه، استبدل بالسجن المؤبد بقرار رئاسي، ومن بين الجرائم المدان بها اغتيال رئيس الوزراء رشيد كرامي ومعاونة الاحتلال الصهيوني والمشاركة في تنفيذ مجازر صبرا وشاتيلا. أطلق سراح جعجع بقانون عفو صادر من مجلس النواب اللبناني، ووصف الدكتور سليم الحص رئيس الوزراء اللبناني الأسبق ذلك العفو المشين بأنه "الفجور بامتياز".
كيف واتت الجرأة لمدان بجرائم رهيبة على ترشيح نفسه لأعلى منصب في لبنان؟ وإن كان جعجع يفعل ما يشاء لأنه لا يستحي، فهل فريق الرابع عشر من أذار الذي تبنى ترشيحه فاقد للحياء أيضاً؟
غالبية ضحايا جعجع مسلمون سنة، لبنانيون وفلسطينيون، وجلّهم عزل أبرياء، وكثير من النواب المصوتين لجعجع هم أيضاً مسلمون سنة من تيار المستقبل الحريري، فلم صوت أهل الضحايا للقاتل؟
تكمن العلة في النظام السياسي اللبناني، ضع قائمة بأسوء الصفات في النظم السياسية، وستجدها منطبقة تماماً على النظام اللبناني: الطائفية والمحاصصة والماكيافلية والاقطاع السياسي والأولجاركية والفساد والمحسوبية والاستغلال الطبقي، أما ساسة لبنان فلا هم لغالبيتهم سوى الاحتفاظ بمناصبهم وتوريثها لأفراد عوائلهم واستغلال سلطاتهم وتنمية ثرواتهم، ولأن الغاية الشريرة تبرر التحالف مع الأشرار سعى تيار المستقبل لإطلاق سراح جعجع ليكون له حليفاً وسنداً في مواجهة المشروع العروبي الإسلامي المقاوم للإحتلال الصهيوني والرافض للهيمنة الغربية.
النظام السياسي اللبناني فيروس، ومن أشد أنواعها فتكاً، يغزو العقول أولاً، يضعف العقلانية والمنطق بالتحيز الأعمى للطائفة والزعيم، ويستبدل القانون بالأعراف الطائفية والحزبية والعدالة بمبدأ الكيل بمكيالين أو أكثر، بعد إصابة العقول بالفيروس يسهل تدمير الجسد، والدليل تاريخ لبنان منذ الاستقلال: مجتمع متصارع وحروب أهلية ونزاعات مسلحة وهجرة عقول واقتصاد مضطرب وإدارة فاسدة، وكلها مصائب كبرى أنتجها أو زاد من وطأتها النظام السياسي اللبناني، وآخرها ترشيح سمير جعجع لرئاسة الجمهورية.
النظام السياسي العراقي نسخة طبق الأصل اللبناني، فالعراق أيضاً مصاب بهذا الفيروس الخبيث، أعراضه واضحة للجميع، والكل يعانون من مضاعفاته، ولم يبق مكان في الجسم العراقي إلا وتفشى فيه المرض، وخلال عشر سنين فقط أنتج حرباً أهلية ونزاعات مسلحة وشروخاً اجتماعية وتخلفاً اقتصادياً وفساداً إدارياً، وما دام هذا النظام السياسي قائماً فسيستشري الداء حتى يقضي على الكيان العراقي برمته.
اليوم أو غداً ستجري الانتخابات العراقية، ولن يجد الناخبون اسم سمير جعجع بين المرشحين، لكن صدقوني إنه موجود، تحت اسماء مختلفة وضمن قوائم متنوعة، وقد ينتخبه البعض منكم من دون وعي، لأن كل من يقبل بهذا النظام السياسي الموبوء ويراه سليماً معافاً مصاب بالفيروس.
(للإسلام غايتان عظمتان هما الإحياء والاصلاح ووسيلة كبرى هي التعلم)
|