انتهى دور الشعب، وعلى الناخبين الان ان يتواصلوا مع نتيجة اقتراعهم من خلال شاشات التلفزة، فقط، وكأنهم جمهور كرة لم تسعه مدرجات الملعب، فظل يتابع المباراة من الخارج، لان انتخابات البرلمان العراقي لا تحددها اصوات الناخبين، على مايبدو، بل اسعار البرلمانيين المقبلين، وهم يضعون ميولهم في مزادات، سرية وعلنية، للكتل الاكثر ثراءا.
البداية الحقيقة للانتخابات النيابية اذا تنطلق بعد اغلاق صناديق الاقتراع، وبدء مرحلة الاتصالات الهاتفية، فبعد ابعاد الناخبين عن الحلبة، تلعب لعبة التحالفات الجديدة، والقفز على الكتل، من قبل النواب الارخص سعرا، وهذا هو الدور الحاسم في تقرير طاقم الحكم الجديد، الذي سيقود وجهة العراقيين للسنين الاربعة القادمة، واختيار شكل معاناتهم فيها.
السنوات الثمان الماضية لم تحمل رئيس وزراء منتخب يدير طاقم السلطة، وانما كان اختيار السيد المالكي في دورة الرئاسية الاولى (2006) بدون انتخاب، فقد استوزر لمجرد انه كان الشخص الثاني في حزب الدعوة الاسلامية بعد ابعاد رئيس الوزراء السابق السيد ابراهيم الجعفري، اثر سلسلة طويلة من التجاذبات بين السياسيين انفسهم، ودون ان يكون لعملية الاقتراع دور في تنصيبه اساسا. بالضبط كما كان وصول السيد الجعفري نفسه للحكم نتيجة لتلك الصراعات الباردة بين برلمانيي (البيت الشيعي) في اسناد الوزارة لحزب الدعوة حفاظا على الكتلة الشيعية من التشظي.
كذلك فان الدورة الانتخابية السابقة (2010)، فوز رئيس الوزراء فيها لم تحققه نتائج التصويت ايضا، فبالرغم من فوز كتلة السيد اياد علاوي، وكان هو حسب العرف الديمقراطي المتداول الاحق بالسلطة، الا ان البرلمانيين الذين حددوا لاصواتهم اسعارا ارخص في المزادات انذاك قد حسموا الامر لصالح السيد المالكي، بمن فيهم اعدائه (المفترضين) من التيار الصدري.
المرحلة الحاسمة في صراع الوصول للسلطة اذا، وفق قوانين اللعبة الديمقراطية في العراق، تبدأ الان، ومن ميزات هذه المرحلة هي تعاظم دور النفوذ الدولي داخليا، فالاطراف التي تستطيع تأمين اكبر دعم خارجي، وتمويل اسخى في عملية استقطاب البرلمانيين الفائزين سيكون لها حظ اوفر لتأمين الوصول لرأس الهرم.
اي ان دور الشعب في اختيار الحاكم هو ليس كل شيئ في الانتخابات العراقية، بل ان الجزء المكمل، وهو الجزء الاساسي على ما يبدو هو دور مراكز القوة والمال، وهي في الغالب قوى خارجية، معروفة، هي اكبر بكثير من امكانيات العراقيين الذاتية.
مرحلة الاقتراع، التي انتهت مساء الاربعاء ( 30 نيسان المنصرم) اذا لم تكن سوى "التصفيات" الاولية، والفائزون يتبارون اليوم على كسب ود مراكز النفوذ هذه، ومن يقرر النتيجة الانتخابية هم بالتحديد النواب الارخص سعرا، ايضا، فهم الذين يميلون كفة الميزان اسرع من غيرهم، وهم الذين سيحددون وجهة الكأس النهائية.
وهنا فأن رؤساء الكتل الطامحة للحصول على منصب رئيس الوزراء، وبعد ان انهوا مرحلة التصفيات، وابعدوا الشعب كليا عن مركز القرار، قد دخلوا في المرحلة الحاسمة، بدأت من الان الاتصالات الهاتفية، ورفع الاسعار في المزايدات الجانبية، وليس لنا، كجمهرة ناخبين، اي دور، سوى ان نتابع من على شاشات التلفزة، ماراثون الوصول للسلطة.
|