لم يحصل رئيس الحكومة المنتهية ولايته نوري المالكي على غير دعم اقل من ربع المصوتين والذين لم تتجاوز نسبتهم ال60 % من عدد الناخبين الكلي ( وفق اعلان مفوضية الانتخابات في حين تؤكد المؤشرات ان النسبة لم تتجاو ال 35 % ) ، على الجانب الاخر فإنه يواجه برفض وحنق الاغلبية الساحقة من الناخبين سواء الذين صوتوا لخصومه من الشيعة والسنة والكرد ، او ممن فقدوا ثقتهم بالعملية السياسية التي تلاعب بها المالكي فلم يتوجهوا الى صناديق الاقتراع .
هذه الارقام المعبرة عن حقائق واضحة تدحض ادعاءات دولة القانون بالنصر وتسفيهها حسابات خصوم المالكي ومنافسيه . طبعا اذا مااخذنا بنظر الاعتبار حجم الفساد الذي مارسته دولة القانون ورئيسها باستخدام الترهيب والترويع والضغط ، وتسخيرمقدرات الدولة ، والمال السياسي لشراء الذمم ، والتزوير ، بشكل علني ووقح ، فإننا نكون ازاء صورة باهته لشرعية مزيفة ينذر رفضها ومجابهتها بمخاطر جسيمة .
قضية المواجهة مع المالكي لاترتبط بسرقة استحقاقات الفرقاء السياسيين الانتخابية او انقلاب المالكي مستقبلا على اي اتفاق معهم ، بل والمجازفو بمستقبلهم الوجودي والسياسي معا ، فالولاية الثالثة تعني انهاء التعددية السياسية التي قطع فيها المالكي شوطا بعيدا ، كما انها تحتم انفصام العلاقة مع هذا الجمهور العريض الناقم على الحكومة والمطالب بالتغيير ، الشعار الذي رفعه الجميع خلال حملاتهم الانتخابية وحتى قبلها .
تهديد المالكي للتعددية السياسية يأخذ ابعادا جدية بتراجع تأثير المرجعيات الدينية في الوسطين السياسي والشعبي ، فموقعها كصمام امان طيلة الفترة الماضية قد يتغير اذا لم تتدارك هذا الواقع المتراجع والذي لايصب سوى في خدمة المالكي دون غيره .
القوى السياسية والمرجعيات الدينية والجمهور ، الذين مالبثوا يلتقطون انفاسهم بعد حملة انتخابية مضنية ومزعجة ، بدأوا بكسر الصمت بتعالي اصواتهم التدريجي مع الظهور المتتابع للنتائج المعاكسة لتطلعات الكثيرين منهم ، واتضاح المعالم الاولية للتحالفات المحتملة ، فالمال السياسي لن يكون بعيدا عن رسم خارطة التحالفات في بيئة سياسية لم تعد تخجل أو تخشى من اظهار فسادها ، سيما بعودة العديد من الوجوه النيابية من عرابي صفقات الفساد ، وكذلك الحال بالنسبة للتدخلات الاقليمية والدولية ، لكن الفشل في تشكيل الحكومة خلال الشهرين او الثلاثة القادمة سيجعل العملية شاقة ومعقدة ، وهو ماتوقعه ، مع آخرين ، رئيس ائتلاف الوطنية الدكتور اياد علاوي .
قراءة صعوبة الوصول الى الحكومة العتيدة يستند الى تشكيك بعض الاطراف السياسية المهمة كالمجلس الاعلى والتيار الصدري وائتلاف الوطنية بنتائج الانتخابات وربما شرعيتها ، وكذلك الصراع على المناصب السيادية ، وطبيعة الحكومة ، ومعايير تشكيلها : وطنية ام طائفية !!! .
مع اهمية الحكومة للدولة العراقية لتسيير مصالحها ، فإن انبثاق حكومة ثالثة برئاسة المالكي ، ولو بعد مخاض عسير ، لن يأتي بجديد مختلف ، فالرجل ، وفي مثل هذه الظروف المصيرية ، لن يغامر بتشكيلها بعيدا عن فريقه المقرب من صقور دولة القانون وحزب الدعوة ، مما يجعلها نسخة مكررة للحكومة السابقة او دائرة في فلك فلسفتها .. عندئذ لن يجد الاصلاح طريقه في المرحلة القادمة خصوصا في مجال المصالحة الوطنية والاصلاح السياسي والخروج من ثقافة الطائفية السياسية .
الوصول الى هذا الواقع لايختلف عن عدم الوصول اليه ، فولادة الحكومة الجديدة على نفس الاسس السابقة يعني استمرار الازمات وتفاقمها وتفجر الرفض الشعبي بوجهها ، اذا مااخذنا بوجود قوى حقيقية من الارهاب والميليشيات المسلحة ولوبيات الفساد والمقاومة باشكالها المتعددة .
مع ان الاحتمالات تبقى قائمة في عالم السياسة الا ان المناخ العام لايوحي بوجود مصلحة حقيقية في اعادة تكليف المالكي على راس الحكومة القادمة ، فالقوى السياسية الاساسية والجديدة ، وكذلك المرجعيات الدينية ، وقوى الحراك الشعبي والتحالفات المدنية التي ربما وجدت لها تمثيلا في البرلمان القادم ، لن تجازف بمصداقيتها اكثر مما فعلت حتى الان .
أخيرا ، فإن الاعداد الأكبر من العراقيين الذين يرفضون عودة المالكي ازاء العدد الاقل من مؤيديه لن يكون غائبا عن اية ارادة سياسية لاحقة .. او هكذا هو المنطق على الاقل .