الانجازات والمكاسب الوهمية

عندما يتحدث بعض السياسيين والمستشارين عن المكاسب والانجازات التي تحققت للشعب العراقي خلال السنوات الإحدى عشرة الماضية، كمن يطلب البحث عن إبرة ضائعة في كومة من القش، أن كانت هناك إبرة أصلا، والغريب أن هؤلاء المتحذلقين لا يجدون غضاضة في الاستعانة بسيء الصيت "غوبلز" ومبدئه المشهور (اكذب، اكذب، حتى يصدقك الناس) متناسين أن حبل الكذب قصير كما يقول احد أمثالنا الشعبية، وبالتالي لايمكن أن يصدق عاقل ما يقال عن هذه الانجازات والمكاسب الزائفة، لان الجميع يرون بأم أعينهم المصائب والكوارث ويعيشونها ساعة بساعة ولحظة بلحظة.
بماذا يتباهى هؤلاء الدجالون؟ أبالانفلات الأمني الذي أصبح كابوسا لكل عراقي، وحثالات "داعش" وشقيقاتها الإرهابية تسرح وتمرح في العاصمة وفي اغلب المدن والمحافظات العراقية، رغم بلوغ عديد قواتنا المسلحة مليونا وربع المليون، ما يعني أن كل ثلاثين عراقيا، احدهم عسكري، دع عنك المبالغ الطائلة التي صرفت عليها في حين أن لكل خمسة عشر أو عشرين إلف عراقي طبيب واحد، وهذه النسبة المختلة تكاد تكون من أعلى النسب في العالم، أن لم تكن الأعلى على الإطلاق.
أم أن المقصود هو مستوى البطالة الذي بلغ 23% ومعها ستة ملايين أمي حسب الإحصاءات الرسمية؟ أم عن الخدمات الضرورية من ماء وكهرباء وسكن وصحة وتعليم التي بتنا ننافس فيها الصومال ورواندا وبوروندي...الخ؟
ربما يتجه حديثهم صوب الفساد المالي والإداري والرشاوي والمحسوبية والمنسوبية التي بلغت حدا يجري التهكم فيه على الشريف والنزيه وصاحب الضمير الحي، ويتذكر كهول شعبنا جيدا كيف كان يتعامل المجتمع العراقي قبل السلطة مع المرتشي وان كانت رشوته ضئيلة جدا (كان يسمى أبو الواشر) وينبذ اجتماعيا، بل في أحيان كثيرة لا يرضى احد بتزويجه ابنته أو أخته.
اما إذا كان مقصدهم الشريف، الحديث عن كل العملية السياسية فهي والحمد لله ومنذ ولادتها القيصرية تمشي على عكازين هما المحاصصة الطائفية والاثنية، وأخذت تزحف على بطنها في الآونة الأخيرة! وهذا كله غيض من فيض الفشل الذريع وعلى جميع الأصعدة.
لقد مل العراقيون الوعود العرقوبية والخطط الافتراضية، ويريدون شيئا ملموسا يعوضهم عن البؤس والقهر والعذاب وشظف العيش التي عانوا منها الآمرين في زمن الدكتاتور المقبور، ومن الإرهاب الوحشي وتمزيق الوحدة الوطنية على يد المحتلين ومن وصلوا ببركاتهم إلى السلطة، عبر ديناميت المحاصصة الطائفية، الاثنية. ويرى الآن كل ذي عينين أن الرهان على تدني الوعي وتخلفه، أو على التجييش الطائفي والقومي لم يعد كافيا بل لا تكفي حتى نتائج الانتخابات البرلمانية مهما كانت ايجابية لهذا الطرف أو ذاك، لان العراقيين يريدون تغيير واقعهم المأساوي، ويطالبون حكومتهم الجديدة التي يأملون إلا يستغرق تأليفها ثمانية أشهر و نيف كما جرى في المرة السابقة، بالتعالي على المصالح الحزبية الضيقة والطائفية المقيتة، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، والسعي بإخلاص لترميم الهوية الوطنية، والمشاركة في صناعة القرار السياسي بعيدا عن التفرد والإقصاء والتهميش ودحر الإرهابيين مرة والى الأبد، كما أن توفير الخدمات ومكافحة الفساد المالي والإداري وحماية الحريات العامة والخاصة، والعلاقات الطيبة مع دول الجوار يفترض أن تأتي في الصدارة من سلم أولويات حكومتنا العتيدة القادمة سواء سميت حكومة شراكة وطنية أو أغلبية سياسية.
فهل يستجيب الحكام الجدد لهذه المطاليب المشروعة؟ أم سيتواصل النهج المدمر ذاته؟ سنرى والزمن هو الفيصل.