قروش تحت القبة الرابعة

الان أخذ ينحسر التبسم ليترك مكانه بانسيابية للتجهم . فتعود الامور الى نصابها المعهود ، لا تكلف ولا بطيخ . والوجوه التي كانت بالامس القريب تتفقد المعوزين بكل حماس في كهوف ابودشير وزروف سليمان بيك وصرايف الحواسم لتسلمها المقسوم ، قد تحتاج اليوم الى انزال جوي تنفذه وزارة دفاع سيراليون لتخطف منها نظرة وربما ابتسامة وسلام ... ثم ياتي الكلام فموعد فلقاء ، ودون ذلك وحش الغاب . هذا مفهوم جدا من خلال تجارب سابقة داخلية وخارجية ، والدنيا الغرور لم يلو عنقها العصي ، الا ابو الحسن وقبله معلمه الكبير . حدث في بريطانيا قبل نحو عشرين عاما ان طلب مواطن موعدا لمقابلةِ ممثل منطقته في البرلمان . ووقعت الواقعة عندما حضر المواطن في الموعد والمكان المحددين ولم يحضر السيد النائب " طبعا مو عزة الدوري" . وعبثا حاولت السكرتيرة ان تهدىء من روعه و تقنعه بان سببا قاهرا حال دون حضور مديرها . طبعا المهدئات كالكوفي والنسكافة والأورنج جوس لم تفعل فعلها لامتصاص الغضب لان المواطن اعتبرها رشوة لاسترضائه وهدد باقحامها في ملف الشكوى . وانتهى الامر سلميا بعد اقل من يومين بان تم الاتفاق على ان ياتي النائب الى بيت المواطن في تلفات "أقاصي" لندن معتذرا نادما مستغفرا منيبا مقرا مذعنا معترفا، و من ابطه اشرأبت وثيقة خجولة تثبت انه لم يكن في موقف يتيح له ان يطلب الى سكرتيرته تأجيل الموعد . لسنا بحاجة الى نائب او مسؤول كصاحبنا الانكليزي ، انما نحن احوج مانكون الى هذا المواطن الذي قال للنائب بعد اللقاء ، انه يمقت الثأر وانه يحاول دائما كبت حس الانتقام في صدره عندما يهان ، لكنه - والحديث مازال للمواطن – يريد ان لا تنهتك حريته الشخصية في بلد مستعد للتضحية له بنفسه وعياله عند الحاجة . عام 2005 قابلت عضو مجلس الشيوخ الاميركي عن ولاية نيوجرزي الديموقراطي "جون كورزاين" بعد ان دخل العقم في قضية قانونية كنت اتابعها بشىء من اليأس . اللقاء تم بتسهيل من مديرة المكتب في مدينة "نووارك"عندما حجزتْ لي الموظفة موعدا "Urgent “ مدته ربع ساعة مع الشيخ جون الذي كان يقضي معظم وقته في واشنطن حيث مبنى الكونغرس . لم يؤملني الرجل بتحقيق شيء ملموس ، لكنه وعدني بالتدخل لدى من يمكنه تحقيق شيئ . و انتهى اللقاء قبل الموعد المحدد بتهميش على ملفي لا يحسن قراءته الا السكرتيرة والصيدلانيون المحترفون في قراءة شخابيط البزازين السائبة في منطقة خمسة ميل. وبدأت الاتصالات تنهال علي من المكتب وآخرين وأخريات حتى اصبت بالملل لكنهم لم يملوا متابعة. وكانت النتيجة ان حققت ما اريد ، بعد التوكل على الله ، وكان انجازا مازال حتى اليوم يحصد ثمنه من يلوذ بي . استماتة ذلك المواطن اللندني الشهم و تفاصيل لقائي بالسيناتور جون ، تمر في ذهني اليوم كوصلة يوتيوب كلما استعرضت وعود نوابنا القادمين الوردية . احدهم ممن لا يخفى نهمه حتى على الثولان "اجلـّكمُ الله" ، كان الشعاره الذي وضعه تاجا لصوره خلال الحملة الانتخابية يقول : " هلّله هلّله بالعراق – ما معناه ، اوصيكم خيرا بالعراق " . وقد ثبت عندي بما لايرقى له ادنى شك ان الرجل وظاهره التقوى المزدانة بلحية مشذبة وابتسامة مصطنعة ، لم يدع حيلة من حيل الاختلاس من العراق الذي يوصينا به خيرا ، الا ومارسها بجشع ليس بعده جشع حتى اصبح من قادة "المترهلين حقائبا – الجواهري". لا الوم الرجل ، فلو اتيحت لي فرصة النهب التي اتيحت له لفعلت ابشع مما فعل ، لكنني ارتدي مسوح الاتقياء الان مجبرا لا بطل ، ففرصة البطش بالمال العام لم تتح لي عن قرب حتى الان لاوضع على المحك . فمثلي مثل ذئب في حديقة البهائم تفصله عن الخراف المسالمة اسيجة لا تخرق . و غذاؤه يقسط له جرعات مذلة لا تليق بنهمه . اللوم ، بل كل اللوم على ذلك الحافي العاري الجائع الذي اقتنع بفردة نعال وكسوة تظهر اكثر ما تخفي وكسرة خبز ، ثم ذهب ليلطخ سبابته بالحبر الكافر ليدفع بامثال هذا النموذج الى البرلمان القادم . لا اشك بنزاهة الانتخابات العراقية قيد شعرة ، وانا على يقين من ان الذين سيجلسون غدا بكامل اناقتهم على الكراسي الوثيرة تحت قبة البرلمان الرابع لم يأتوا من تزوير ورقة ، انما جاؤوا من ما هو ابشع وهو تزوير العقول باستخدام ورقة المذهب المُصادَر. اتمنى الا يكون تشاؤمي في محله هذه المرة .