مؤشرات خطيرة على سيناريو الحرب الطائفية وقلب النظام في العراق !

لا ندري ماذا في داخل رئيس وزراء العراق نوري المالكي الذي يدير شئوون الحكم اليوم الى جانب برلمانه ودستوره ووزرائه ومستشاريه واعضاء حزبه ومؤيديه وقادة جيشه ان يقول لنا عن مهمته الصعبة وعن رفاقه وهو يرى بام عينه ما يجري في العراق وما يقترفه اعضاء حكومته من وزراء وموظفين كبار وقادة اخرين من الفضائح وقضايا النهب والفساد التي ازدادت تكرارا بمرور السنين وهو ما زال المسئوول الاول على راس الحكومة العراقية ! .  ولا غرابة ان نشاهد ما وقع من مظاهرات في الانبار والموصل ضده والمنادية بسقوطه ومحاكمته رغم معرفتنا الاكيدة بان مثل هذه المظاهرات لم تات على نحو مفاجئ  وانما كان الاعداد لها محسوبا باتقان طبقا للسيناريو الذي يجري العمل به وتطبيقه في المنطقة العربية  وبالخصوص في سوريا كما انها حلقة متممة للفوضى الكبيرة التي يشهدها العراقيون عموما. ولقد اكد المالكي شخصيا على ذلك في بيانه الاخير يوم الجمعة 25 يناير من هذا الشهر الى الشعب العراقي وابناء الانبار الذي قال فيه : "لم يكن مفاجئا ما حصل اليوم من اصطدام مع الجيش في الفلوجة فقد كنا قد حذرنا منه ومن نوايا يضمرها اصحاب الاجندات والاهداف المعادية للعراق والعملية السياسية والديمقراطية فيه، والتي يزداد خطرها يوما في محاولة لتفجير الأوضاع الأمنية وجر القوات المسلحة للمواجهة، وهي مؤامرات رسمت خطواتها مخابرات اقليمية وبقايا النظام السابق والقاعدة واصحاب النهج الطائفي يريدون ان يسبغوا هذه المؤامرة بدماء الابرياء من الذين خرجوا بمظاهرات يطالبون فيها بحقوق دستورية."... ولقد جاء في تقرير  صدر يوم 27 ديسمبر من العام الماضي أي مع تصاعد المظاهرات في الانبار، أن قادة إسرائيل بحاجة الى اضطراب في العراق يأتي متوازياً مع التدهور الحاصل في سوريا، حتى يتخلل ما اسمته ب (محور طهران) وتقصد به الوجود الشيعي في إيران والعراق ولبنان حتى تشن الحرب على ايران  (**)  . فهل هناك  اذن ادنى شك من اشتراك الاطراف المعنية  هذه في القلاقل الجارية في العراق ؟

ولقد سبق وان كتبت قبل اشهر عن هذا السيناريو قبل نشره الان في دراسة نقدية من ثلاثة اجزاء  نشرت في عدة صحف الكترونية  بتاريخ 30 اغسطس 2012 تحت عنوان : "هل سيحقق سيناريو سقوط الاسد اقامة الدولة الاموية في سوريا والعراق واستقلال اقليم كوردستان  ؟" جاء في الجزء الثاني منها بعنوان ابعاد الصراع في السيناريو السوري ذكرت في البعد الثاني قائلا :  "في حقيقة بات الامر يتمثل لنا علانية في الصراع الطائفي الذي ترعاه دول الخليج بقيادة السعودية وقطر الذين يريدون ان يسقطوا ما كان يسمونه بالهلال الشيعي الممتد من ايران الى العراق وسوريا وحزب الله في لبنان الذي تحدث عنه علنا الملك عبد الله الثاني ملك الاردن منذ سنوات مضت . ان الصراع على تغيير السلطة في سوريا اصبح امرا معروفا للجميع الا وهو تدمير المشروع النووي الايراني وتحطيم حلقة الوصل السورية ما بين ايران والعراق ولبنان وبناء الهلال السني من كوردستان العراق وتركيا وسوريا والاردن والسعودية بعد رحيل بشار الرئيس الاسد  . ومن بعدها الالتفاف على العراق والبدء من جديد لتدمير ما تم تحقيقه من استقرار هامشي ونظام ديموقراطي وليد فيه بكل ثمن بعد اضعاف وعزل ايران عن المنطقة تماما. والمؤشرات كثيرة تدلل على ذلك فوق مسرح الاحداث اليومية في المنطقة ".

كما اشرت في نفس المقالة الى الدور الجهنمي الذي تتبناه القاعدة لتطبيق هذا السيناريو في العراق وذكرت ايضا : "يشن تنظيم القاعدة في العراق اليوم مئات الهجمات ضد مقار الحكومة وأفراد الأمن وكل الموالين للحكومة، بواسطة سيارات ملغومة وقنابل واحزمة ناسفة واغتيالات بشتى الطرق . وكان تنظيم ما يسمى بدولة العراق الاسلامية التابع لتنظيم القاعدة قد اعلن على لسان زعيمه ابو بكر البغدادي، في 22 من الشهر الماضي  عن البدء بتنفيذ سلسلة عمليات اطلق عليها اسم "هدم الاسوار" لمهاجمة القوات الامنية العراقية والسجون التي يحتجز فيها اعضاء التنظيم والقضاة والمحققين واستعادة المناطق التي كان يسيطر عليها التنظيم.   وان "أبو بكر البغدادي هذا الذي يدّعي أنه قائد مجموعة مسلحة صرح بان تنظيم القاعدة يتبنى  الحملة  للإطاحة بالحكومتين القائمتين في بغداد ودمشق واستبدالهما بنظامين إسلاميين". لقد حفلت التقارير الغربية طوال الأشهر الأخيرة بتحليلات تحذيرية قرعت جرس الإنذار حول تحوّل الصراع في المنطقة إلى صراع سني ـ شيعي يُنبئ بويلات جديدة، لا سيّما في ظلّ ما شهدته الخريطة السياسية العربية من صحوة سنية يجد «الهلال الشيعي» نفسه مهدّداً «في حضرتها». ومع انسداد أفق الحلّ على مستوى الأزمة السورية، بات هناك ما يشبه الإجماع على أن الصراع أصبح مذهبياً بحتاً، وقد يجرّ سوريا إلى حرب أهليّة طاحنة . الا أن سؤال «من المستفيد» من إذكاء هذا الصراع، إلى درجة تغليبه حتى على الصراع العربي الإسرائيلي ، يبقى مشروعا " .              

بعد ان عانى العراقيون من مظاهر الفساد والارهاب والتخلف على مخلف اوجه الحياة وبعد  تصاعد المظاهرات من قبل ابناء الانبار وغيرها من المحافظات في ديسمبر 2012 واستمرارها حتى اليوم،لاحت وكانما هناك في الافق مؤامرة للانقلاب على النظام امتدادا لمشاريع الربيع العربي وللاحداث الدامية في سوريا التي تقودها الاطراف المعروفة من الدول النفطية ، كما جاء في بيان المالكي .  ولقد جاء المؤشر بكل وضوح  عند بداية انطلاق المظاهرات في الانبار التي ظهر لها نفس طائفي و بعثي صرف وذلك برفع السلاح والصور والاعلام المتعددة لتركيا وحكم صدام واقليم كوردستان والتهديد بقطع طرق المواصلات الخارجية مع الاردن واسقاط حكومة المالكي علنا على اثر اتهام وزير المالية العيساوي وهو ابن المنطقة  وحماياته القيام باعمال ارهابية . ولربما اقول ولو ان مؤامرة هناك تلوح في الافق الا انها جاءت عرجاء تقف على قدم واحدة . وبالمقارنة مع مؤامرة البعثيين في 8 شباط 1963 التي كانت محكمة ومدعومة من كل جهات الشر في الخليج كالكويت والسعودية مع مصر وغيرها من الدول العربية الى جانب المخابرات الامريكية والبريطانية وشركات نفطها المتضررة آنذاك التي نجحت في قلب نظام الزعيم قاسم ، لكن اليوم نرى ان من يدعم هذه المظاهرات ويقف خلفها ويحرضها لاجندات ارهابية وطائفية رغم الكثير من مطالبها العادلة ، لم يحظ بدعم امريكي ولا بشركات النفط التي استتب لها الامن في العراق واحكمت وجودها وثبتت دعائم الحكم الموالي لها في بغداد . ورغم  ان هناك اطرافا في العراق ترقص فرحا لهذه الاحداث ، لكن الظاهر ان العراقيين تعلموا الدرس واصطف اكثرهم في احزاب قوية وميليشيات تابعة لها مسلحة بالملايين وعلى استعداد للمواجهة وجيش موالي للسلطة يدعم النظام الديموقراطي والحكومة المتمثلة بالاحزاب الشيعية التي باتت تشعر انها مستهدفة رغم انها تمثل اغلبية العراقيين الساحقة والمنتظرة بصبر علاج المشاكل ووصول الحلول لها بعد ياسها من وعود الحكومة نفسها . والظاهر كما يبدو لنا ان المتظاهرين من ابناء المناطق السنية في الانبار قد خُدعوا ودفعوا الاخرين من ابناء الشيعة ان يلتفوا اكثرحول حكومة المالكي ويدعموها وينادوا حتى بالدفاع والقتال عنها رغم اخطائها وفسادها من اجل بقائها في الحكم . نشر جواد سعيد مقالا تحت بعنوان؛ "سنقاتل تحت رايات المالكي  والصدر والحكيم ....رد عليه الدكتور كامل العضاض بتعليق  غاية في الكمال والواقعية مدافعا عن وحدة الشعب العراقي بكل اطيافه قائلا :  لا نغالي إن قلنا أن دعوة هذا الكاتب هي دعوة لتمزيق العراق، ولتوريط الشيعة والى إحلال الدمار والفرقة والإنقسام، أنها دعوة للشر والتهديم. هل ستقاتل يا هذا أشقائنا المسلمين السنّة من أجل أن يكون الحكم خالصا للشيعة إذا كان هذا ما تصبو إليه، فبُؤسا وتعسا لدعوتك السقيمة هذه  (***)  .                                     

اما الذين يعيشون في مستنقع الطائفية خارج العراق فهم كثيرون رأوا ان الفرصة اصبحت سانحة للعمل على اشعال الحرب الطائفية والدعوة للشر والتهديم من جديد في العراق كما قال الدكتور العضاض  . فهذا هو محمد المسفر الذي كتب مقالة في القدس العربي راح يصف فيها حكومة المالكي والاطراف الشيعية في العراق باخس الاوصاف التي لا ترقى الى مستوى استاذ عربي مسلم في التعليم الجامعي ان صح ذلك جاء فيها  : "الشعب العراقي الشقيق عانى الكثير من صنوف الاذلال والتحقير واغتصاب الحراير وهدر كرامة ورجولة الرجال الشرفاء من حكم طائفي شعوبي حاقد يقوده نوري المالكي وعصابته الحاقدة، الجعفري والمالكي 'حزب الدعوة' تناوبا على اذلال اهل العراق وقتلهم والتشهير بكبارهم وشيوخ عشائرهم وبعلمائهم ومفكريهم ومصادرة املاك كل الذين عملوا في الحكومة العراقية قبل احتلال العراق عام 2003 .. هذا الاسبوع الخامس لغضبة الشعب العراقي ونزوله الميادين العامة في المدن العراقية التي شعر اهلها بالظلم والتمييز ضدهم وحرمانهم من خيرات بلاد الرافدين واستبداد جوقة الصفويين الحاكمة بكل خيرات العراق، هذه الجماهير بكل مستوياتها العمرية شعرت بان هذه الحكومة 'حكومة حزب الدعوة / دولة القانون' اهانت شرفاء العراق ووضعت قوانين ولوائح بما في ذلك الدستور الذي صاغه حفنة من الصهاينة يعاونهم جوقة من احفاد العلقمي بهدف النيل من عرب العراق على وجه التحديد وكذلك بعض شرفاء اخواننا الشيعة بوضع 'المادة الرابعة ارهاب' والمقصود بها ملاحقة اهل السنة وغيرهم من الذين لا يتفقون مع توجهات حزب الدعوة "... واستنجد المسفر بدول  الخليج  ليهبوا ويقدموا الدعم وهي دعوة صريحة وغاية في التحريض على اشعال الفتنة الطائفية والعمل على قلب النظام في العراق عندما قال : "اخر القول دول مجلس التعاون مطلوب منها نصرة مطالب اهل العراق قبل ان يستفحل الامر ونكون بعد ذلك من الخاسرين " .

وبكلمات قليلة علقت على مقالة المسفر ولكن رئيس تحرير القدس العربي عبد الباري عطوان المتربص بالعراق في بريطانيا والمتحذلق بديموقراطيتها لا ينشر ما لا يتفق ويريد نشره لاغراض طائفية وهو المعروف بدفاعه عن القاعدة وحكم صدام حسين والتشفي بما يصيب ابناء العراق من سفك للدماء وسقوط للضحايا . ولكني انشر هنا ما ارسلته في تعليقي : " ما هكذا تورد الابل يا استاذ المسفر . ان اسلوبك المشبع برائحة الطائفية  يزكم الانوف . كلنا معك في توجيه النقد الموضوعي لاسلوب الحكومة وفشلها في العديد من الجوانب ولكن دون التركيز بشكل فاضح على الجانب الطائفي لان ذلك لا يرقى للاسلوب الاكاديمي الذي يجب ان تلتزم به . لقد اردت الوصول الى ما ينشده اسيادك في الجزيرة والخليج باشعال النار الطائفية في العراق ولكن هيهات ان تمر اساليبكم المريضة على العراقيين . لقد اخطأت وتجنيت  كثيرا يا استاذ المسفر وما عليك الا ان تعيد حساباتك " (****).                                                                              

وفي الختام ارجو من اهلنا في العراق من كل الاطياف ان يعيدوا النظر في مواقفهم على ضوء المعطيات الجديدة على ارض وادي الرافدين وان يتكاتفوا جميعا جنبا الى جنب  وان يضعوا امام اعينهم قبل كل شئ ان الوطن للجميع وان يواصلوا الحوار من اجل الاصلاح والتغيير ويعملوا بروح المحبة  ليسيروا بالوطن وابنائه المحرومين نحو الهدف الواحد بعد ما اوتيح لهم من فرصة الخلاص من دكتاتورية البعث والاحتلال والدخول في عصر الديموقراطية ، المسيرة التي تواكب العصر مع كل الامم وان لا ينسوا كيف يتقاسموا الثروة الكبيرة بعدالة وانصاف وان يعطوا كل ذي حق حقه وان يحترموا القوانين وحقوق الناس وحرياتهم وان يبنوا العراق ورعاية الاجيال الصاعدة  بروح عالية من التكافل والوحدة  . وان يضعوا نصب اعينهم ان الامم في هذا القرن الواحد والعشرين في سباق مع الزمن للرقي والتقدم والبناء على اسس علمية وتقنية متطورة وتقديم صورة حضارية جديدة عن دولهم وبخاصة العراق بلد التراث والحضارة والتاريخ والثروة . وان يتعضوا من دروس التاريخ وان لا يقعوا مرة اخرى ضحية لمؤامرات حزب البعث ودول الجوار التي نجحت في  قلب نظام عبد الكريم قاسم واعدامه في 8 شباط 1963 وابادة وتشريد العديد من الوطنيين العراقيين وجعل العراق وشعبه وثروته مطية لاغراض الحزب الواحد المدمرة وقائده الضرورة ذلك الحدث الحزين والمشئووم الذي سانشر ذكرياتي الشخصية عنه في الاسبوع القادم بمناسبة مرور50 عاما على وقوع جريمة العصر في القرن الماضي . وان غدا لناظره قريب والله الموفق !

 (*) الدكتور اياد الجصاني : عضو نادي الاكاديمية الدبلوماسية فيينا – النمسا

( **) تقرير اسرائيلي: الحرب على إيران ستكون بعد إندلاع الحرب الطائفية في العراق  راجع صحيفة المراقب

 

( *** ) نشر جواد سعيد مقالا في 23 يناير في موقع الأخبار  بعنوان؛ "سنقاتل تحت رايات المالكي   والصدر والحكيم

.                                                     

 

 (****) محمد المسفر في القدس العربي : لا تخادع يا مالكي فحيلك كلها معروفة  بتاريخ  21 يناير 2013