تحديث الخطاب الاسلامي

مقدمة / الاسلام دين الفطرة الذي ختمت به الأديان السماوية دين المحبة والسلام والتسامح ! نهض برفع لوائه النبي الأمين صلعم ! وبعد رحيله الى الرغفيق الاعلى اضطرمت الخصومات بين المجتهدين بالعقل تارة وبالنقل اخرى ! واندلعت الفتن والترات حتى احتكم الى السيف البتار الذي لايفرق بين المسلم والمتأسلم ! بين المجتهد وبين المناكف ! ثمة التباس حدث بسبب كون القرآن الكريم حمال اوجه وبسبب تعرض الحديث النبوي الشريف الى الوضع والحذف ! وبسبب وجود متاجرين باسم الدين وحمقى ومعاتيه ابتلي بهم الدين وبسبب وجود معطوبين شهوتهم الدم سببوا ضررا فادحاً لمسيرة الاسلام ! وها نحن المسلمين اولاء ننزف دماً عبيطا ! حتى اليوم ! منذ عام 40 هجرية وحتى اليوم ذهب ملايين المسلمين ضحايا بسيوف المسلمين ! البيوت تنسف دون تفريق والعذراوات يغتصبن في غطاء من الصمت ( بوكو حرام الافريقية اختطفت في شهر ابريل 2014 مئتين وعشر طالبات من المدارس بأعمار ما بين 13 و18 ) والمفكرون يقتلون بلا جريرة والمساجد باتت اوكاراً لجيل جديد من المتأسلمين المتشددين يقتلون شيعة معاوية وشيعة الحسن معا ! فهم يكفِّـرون ( تشديد الفاء وكسرها ) المسلمين ليجدوا الدعم غير المحدود من بعض الدول الاسلامية والنفطية بشكل خاص ! الإرهاب بات طليق اليد ينتشر كما الاميبا ! ويتكاثر بمتوالية عددية ! وأئمة المسلمين الكبار بين مثير للفتنة وبين محتج عليها وبين لائذ بالصمت ! لكن الموقف المطلوب لم يتقدم بعد ولو خطوة واحدة ! وبات المسلمون الوسطيون والتنويريون في خطر اكيد من سيوف المسلمين المتشددين ! وهكذا طرحت مسألة تحديث الخطاب الاسلامي الحنيف ووضع الحدود الواضحة بين الخلصاء وبين الادعياء ! وقد تنادى أئمة المجمع الثقافي الاسلامي في ديربورن لقول شيء لعله يوقف التدهور السريع للحالة الاسلامية الطارئة يقودهم المرجع الديني الأعلى الشيخ عبد اللطيف بري ! وقد اعتاد هذا الشيخ تكريس مساء السبت بتمامه للالتقاء بالجالية الاسلامية في مشيغن ( النساء والرجال الاطفال والفتيان والشيوخ هم رواد مجالس السبت المعتادون ) بحيث يحتدم الحوار حتى يصل حالات الذروة من حيث حماسة الطرح ! وصدقية الهم ! والمبهج حقا ان ليس ثمة محظورات في الحوار او السؤال ! فكل موضوع يمكن مناقشته بنوايا مخلصة للوصول الى يقين علمي ! وقد بات آية الله الشيخ بري مفكرا كثير الأصدقاء كثير الخصوم ! لكنه لم يكترث لمقولات الأعداء يقيناً منه انها تنطوي تحت جناح الخلاف والاختلاف وهما امران من حيث الظاهر لايضيران النظر العلمي ! ففي مساء كل سبت من كل اسبوع يلتقي مريدو الشيخ بري بمختلف مشاربهم ومذاهبهم واديانهم وأعمارهم ! ومن المعتاد في مساءات السبت حضور شخصيات ومفكرين سنة وشيعة ومسيحيين والمنصة منفتحة على الجميع دون حساسيات او اختناقات ! وذلك ما يسعى اليه الباحثون عن الخطاب العقلاني الهاديء الذي لايلغي وجود الآخر ! بل ان حلم اللقاء بين العامة وبين كبار الأئمة بدا متحققا مع هذه الشخصية التربوية الموسوعية الجذابة فهو لايكلم الناس من وراء المكتب او الأبناء أو الأصهار بل يكلمهم بنفسه ! الكلام شركة بين المرجع وبين الحاضرين وغب الانتهاء من وقائع اللقاء الخطابي يجلس الجميع مع المرجع الأعلى ليكون اللقاء حميماً تحف به روح الصداقة والألفة ! في تلك اللقاءات ليس ثمة استمرار للوقائغ الخطابية بل ثمة شعر وحكم وطرائف وشكوى وما الى ذلك من الأواصر التي تشد الجالية العربية بعامة والمسلمة بخاصة الى بعضها .

عرض / الساعة العاشرة مساء بتوقيت مشيغن من السبت الثالث من مايس 2014 افتتح الملتقى الشيخ حسن حبحاب بتلاوة من القرآن الكريم مع محاضرة في كيف يفهم الخطاب الإسلامي من القرآن الكريم والحديث الموثوق وسيرة اهل البيت رضوان الله عليهم ! وقد نبه الشيخ حبحاب الى اهمية الحج عند المسلمين بوصفه مؤتمراً اسلامياً عالمياً يفترض فيه حل مشكلات المسلمين مباشرة وعن قرب ! والشيخ حبحاب طاقة ثقافية معرفية يتجلى ذلك بمساحات الحفظ الشاسعة من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والشعر العربي والمأثورات التراثية فضلا عت تفقهه في اللغات العربية والانجليزية والفارسية وإلمامه بالفرنسية ! ثم اعتلى المنصة بعد الشيخ حبحاب سماحة الشيخ هشام الحسيني إمام مركز كربلاء فحلق بالحضور في فضاءات الشعر الوجداني والعرفاني وكان يقرأ شعره باللغتين العربية والانجليزية ! وقد قال فضيلة الشيخ بري ان شعر سماحة الشيخ هشام وجد له معجبين ومريدين بين الأمريكان ! وإذا جاءت حصة آية الله الشيخ بري فقد تمهل وقتا ما حين طلب سماحته الى الاستاذ مصطفى العمري المشاركة في هذا الملتقى فتحدث العمري عن الانحرافات التي يقترفها بعض المفكرين الاسلاميين بحق الاسلام والمسلمين تلك الانحرافات التي تؤجج الطائفية والعنصرية بين ابناء الدين الواحد والبلد الواحد ! مما يتوجب على المفكرين الاسلاميين المعتدلين الوقوف بوجه تلك الانحرافات ! وبما اننا نعيش بين ظهراني الأمريكيين فيتوجب علينا افهام الامريكيين بطبيعة الخطاب الاسلامي المعتدل والتوكيد على ان التطرف والعمى والتكفير ضرب من الارهاب الذي يرفضه الدين الاسلامي بالكامل ! بعدها طلب سماحة الشيخ عبد اللطيف بري الى الاستاذ سالم الشمري مساهمة في الملتقى ! فاستجاب الشمري ووقف على المنصة ليقول ان مساهمته تجيء وفق سياق مساهمة زميله الاستاذ العمري ثم حذر الشمري من الخطاب الوعظي واعتده مصادرة للعقل الاسلامي المتجدد وتحجيرا للوعي الجمعي ! ومن هذه الزاوية حذر الاستاذ الشمري من تقبل الاحاديث الملفقة التي تنسب الى النبي الأمين ما لم يقله او مالم يتوافق مع خلقه العظيم ! وضرب لذلك مثلا وهو الحديث المنسوب للنبي صلعم بأن المسلمين سينقسمون الى احدى وسبعين فرقة ! سبعون فرقة تكون ضالة ومأواها النار وفرقة واحدة هي الناجية المؤهلة لدخول الجنة ! وكيف ان غلاة السنة يرون انهم الفرقة الناجية وغيرهم في النار ! وكيف يقابل ذلك قول الشيعة انهم هم الفرقة الناجية وسواهم فرق ضالة مأواها النار ! واذا انتهى الاستاذ الشمري من مداخلته طلب سماحة الشيخ بري الى الفنان الاستاذ قاسم ماضي المساهمة في الملتقى ! فوقف الاستاذ قاسم ماضي بادي الحزن ! متحدثا عن ثقافة الموت التي غزت الشارع العراقي !! متسائلا الى اين سيقودنا التطرف وذكرا امثلة مروعة شهدها بنفسه خلال زيارته الأخيرة الى العراق ! كيف يداهم المتطرفون الجامعات ويقتلون الطلبة والاساتذة بدم بارد ! وأكد ان العراقيين هم سنة وهم شيعة معا ولايمكن تخيل الحياة من خلال التصفيات ! فالأستاذ قاسم ماضي شيعي أبا عن جد ! وزوجته الكاتبة المعروفة الاستاذة استبرق العزاوي سنية اباً عن جد وهما واطفالهما نموذح صحي وطبيعي للتعايش بين السنة والشيعة ! وأكد ان ظاهرة التزواج بين افراد المذهبين منتشرة بشكل يكذب الزعم باستحالة التعايش بين المذهبين داخل العائلة الواحدة !! وقد استطاع الاستاذ قاسم ماضي رسم بانوراما متخيلة عما يحصل في العراق الذي اتنزف جراحه ! وشكا من عدم دعم المشروع الفني في مشيغن ! ووعد بتناول المأساة العراقية من خلال العمل المسرحي شريطة دعم المشروع ! فكل شيء جاهز من الجمهور الكمي النوعي الى الطاقات الموهوبة الى الموضوعات الدرامية التي تنهل من الحياة ! بعدها تساءل سماحة الشيخ عبد اللطيف بري عمن يريد تقديم مداخلة قبل محاضرته وحين لم يتقدم احد وقف على المنصة ليحيي كثيرا من الحاضرين باسمائهم رجالا ونساءً واشاد بمداخلات الاساتذة مصطفى العمري وسالم الشمري وقاسم ماضي متلبثا عند المحاور التي اثارها الاساتذة الثلاثة ولم ينس الترحيب بالاعلامي المعروف الاستاذ غالب الياسري الذي وصل من العراق منذ امد قريب كما ان الشيخ بري عزى الفنان المسرحي الاستاذ قاسم ماضي بوفاة والديه خلال شهر واحد ليخلص الى موضوعات هذا السبت فهنأ الحضور باطلالة شهر رجب المبارك فهو من الأشهر الحرم والميمونة عند المسلمين ! وكانت محاضرة الشيخ عبد اللطيف بري متمحورة حول مشروع تحديث الخطاب الاسلامي ليكون منسجماً مع معطيات العصر الراهن ولن يكون التحديث ممكنا اذا ما كنا اسرى الزمن الماضي بحيث يشغلنا الماضي بغثه وسمينه عن هموم الحاضر والمستقبل ودعا الكتاب التنويريين الى كتابة المباحث الاستباقية بروح اكاديمي لكي يتم التهيؤ من الآن لحل المشكلات المزمنة والطارئة ! ولابد من تفكيك الظاهرة الارهابية ومعرفة منابعها وسبل تجفيف تلك المنابع ! ونبه الى ظاهرة الخلايا النائمة المبثوثة في كل مكان من العالم شرقيه وغربيه ! فليس ثمة مكان خال من الخلايا النائمة وهذا يعني ان ليس ثمة مكان في الدنيا آمن من يد الارهاب ! فلابد من النظر العلمي والجدي الى خطورة الخلايا النائمة وتعقيم العالم من شرورها وذلك لا يتم الا بمبادرة عقلاء الامم والمتدينين والأكاديميين لتجفيف منابع الأرهاب ! واذا كان الارهاب بخلاياه النائمة والصاحية قد استغل الثغرات في نظامنا الاجتماعي المحكوم والحاكم فان علينا ردم تلك الثغرات بوعي تام ! وسيمر الحل عبر بوابة النقد الصريح البناء ! فنحن بحاجة ماسة وعميقة لثقافة النقد بحيث ننظر الى اختلافات الطرح شيئاً من العافية الاجتماعية ! والشيء الآخر الذي يعزز ثقافة النقد هو قراءة المنطق واستيعابه والاحتكام اليه في حل معضلاتنا ومعالجة طموحاتنا ! والمنطق رياضة عقلية يمكن من خلالها النظر الى الأمور بشكل علمي ! واذا بلغ الشيخ بري منطقة المنطق شدد القول على اهمية المنهج والمنهجية ونفى نجاح اي مشروع فكري او قولي او عملي دون منهج !! وتوصل الى ان شيوع المنهج بين الناس يعكس علمية الرؤية واكاديمية الخطوات ! وقبل ان يترك المفكر الاسلامي الشيخ عبد لطيف بري المنصة فتح باب الحوار فكان ان تساءلت الكاتبة والصحفية اللبنانية الاستاذة مريم شهاب عن مسوغ الصرامة والقسوة في تطبيق بعض العبادات خلال مغتربنا الحالي كمثل الموظف الذي لايعطى الوقت لكي يؤدي الصلاة في ميقاتها دون تأخير ! فكيف السبيل الى تنفيذ طقس عبادي واجب في مؤسسة امريكية مثلا ؟ ثم طلب سماحة الشيخ بري الى الشاعرة اللبنانية المتالقة الاستاذة فاطمة هاشم ان تقول شيئا وبخاصة انها عضوة في مجلس حكماء الجالية فاعتذرت لأن من سبقها قال ما ارادت قوله لكنها روت طرفة تراثية رسمت الابتسامة على الشفاه !! كما طلب الشيخ بري الى عبد الاله الصائغ ان يتداخل فوقف الصائغ ليقول ان زواج القاصرات من الرجال الشبقين باسم الدين هو الارهاب بعينه ! لقد اسهمت فتاوى زواج القاصرات في تلطيخ سمعتنا كمتحضرين في المجتمعات الغربية ! ولابد والحالة هذه من تدخل كبار رجال الدين وفي الطليعة شيخ عبد اللطيف بري لوقف هذه الظاهرة الوبائية ! ان زواج القاصرات من كبار السن جريمة بل ان مطلق زواج القاصرات والقاصرين يعد اعتداء على حقوق الطفولة وجريمة لا تغتفر !! بعدها اجاب الشيخ عبد بري على مداخلات الاستاذة مريم شهاب والاستاذة فاطمة هاشم وعبد الاله الصائغ مؤكدا ان الدين يدعو لليسر ولا يدعو للعسر وان الدين هو التفكير المنطقي لتقويم الأمور والدعوة الى المحبة والسلام ومن خلال هذه المباديء يمكن التصدي لحل المشكلات اليومية .وبعـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد ------------------------------

ان الخطر المحيط بالمسلمين بسبب الكراهية غير المسوغة بين علماء الدين ومفكريهم انعكس قتلا وذبحا على الجماهير الكمية ! واستشراء خطر التصفيات الاسلامية الاسلامية مما يوجب على علماء الشيعة وعلماء السنة التحرك السريع لرأب الصدع ! واذا كنا في مهجرنا الغربي المسيحي فينبغي ان نحسب لأقوالنا وأفعالنا حسابا دقيقا ! ولن يتم ذلك من تداول الخطاب الاسلامي بشتيمة الأديان الأخرى والمذاهب الأخرى !! فلابد من النظر الموضوعي لطبيعة خطابنا مع الآخر هذا من جهة ومن الجهة الثانية لابد من الموازنة المنطقية بين حدود النقل والعقل ويكفي ان نلاحظ اختلاف الخطاب القرآني بين مكة والمدينة والحديث يطول ولكن الذي لايمكن الانتظار فيه هو ضرورة خروج المراجع الكبار الكرام عن عزلتهم وصمتهم وعدم الاكتفاء بالتصريحات من وراء المكاتب او الوكلاء او الابناء او الاصهار ! و هو واحد من المراجع الكبار يردم الفجوة بين العامة والخاصة وبين الرجل الذي يحمل لقب آية الله العظمى وبين الناس بسطائهم ومثقفيهم ! وينبغي ان يكون لرجال الدين المجتهدين الكبار في رسول الله والصحابة وأهل البيت قدوة حسنة ! فلا رهبانية في الاسلام .

هامش على ملتقى مجمع العصر الاسلامي