نظر العامة من الناس إلى الانتخابات على أنها تغيير للمشهد السياسي العراقي نحو الأحسن، لذلك توجهوا نحو صناديق الإقتراع وتغلب عندهم الحماسة والعاطفة على حسابات المنطق والواقع دون الإلتفات الى أن هذه المعادلة كانت ستكون صحيحة لو أن الوضع الذي أنهى حكم (البعث) لم يعد إنتاج نوع آخر من الإستبداد، إستبداد مغلف برداء ديمقراطي عمل على إقصاء المخالفين، وتخوين من لهم اجتهادات أو وجهات نظر مختلفة.
توجه الناخبون الى المراكز الإنتخابية لأن السنوات السابقة أفزعتهم ويخافون من استمرارها لسنوات لاحقة، ويعلمون أن ذلك يعني وصولهم الى نقطة اللاعودة والدخول في الأنفاق المظلمة، وهذه حقيقة دامغة لا تحتاج إلى إثباتات أو هتافات أو اللجوء لحملات دعائية، وأدلوا بأصواتهم كي ينقذوا ما يمكن إنقاذه وليسهموا في إنجاز ضرورة وطنية وإنسانية واخلاقية ودينية.
الحكومة الجديدة التي ستأتي بعد التجربة المريرة، لا تملك عصا سحرية لإخراج البلاد مما تعانيه من مشكلات وأزمات متزايدة وما يقابلها من مطالبات، وبعد الحالة التي شهدت تراجعاً كبيراً في مستويات كل ما يتعلق بالأمن والإستقرار والتنمية و الخدمات والبنية الأساسية وغيرها، وكذلك على مستوى النظام السياسي الذي أصيب بالجمود الشديد وانعدام الكفاءة التي تسببت بموجات الغضب و الرغبة العارمة في التغيير التي أخرجت الجموع نحو المراكز الإنتخابية، ولكن الحكومة الجديدة يمكن أن تكون الملاذ الذي ينتظر منه فعل الكثير، حكومة حاضرة و راسخة فى النفوس، تحل المشكلات وتكفل تحسن الأحوال المعيشية، وتقدم الخدمات، وتمحو الصورة السلبية للحكومة التى انطبعت فى الأذهان وإرتبطت تحديداً بشبكات مصالح معقدة وأسباب للفساد..
مرحلة ما بعد الانتخابات تعتبر الأهم و الأخطرعلى كل المستويات لأن العراق يمر بمرحلة استثنائية معقدة بمعايير كثيرة، مرحلة لا تكون في معزل عن التداخلات الإقليمية والدولية، وبعد إعلان نتائج الإنتخابات يتحدد من يكون الرئيس الجديد لحكومة العراق، وعلى ضوء تلك النتائج أيضاً يسعى المتنافسون من أجل الحصول على المناصب العليا، كما تحدد نتائجها ملامح المرحلة القادمة ومعالم النظام السياسي الذي يتشكل، وتطرح فيها تساؤلات إضافية عن إمكانية نجاح الأطراف الكوردية المختلفة، في بناء موقف سياسي موحد من بغداد وفي بغداد، وتجاه جميع القضايا المصيرية الكوردستانية.
وعلى العموم فإن العراق الحالي، بحاجة إلى إعادة الحيوية للدولة وتجديد بنية نظامها السياسي، عبر مواجهة الإرهاب من ناحية، وتشريعات و قوانين تترجم موادها على أرض الواقع، وتغيير في خياراتها و توجهاتها وفي سياساتها العامة، وهذه الحاجات لاتعني إقصاء أو تهميش أشخاص أو أحزاب، لأن هذا لايعني التغيير، كما لاتعني أن لا تكون هناك قضايا أمام القضاء لمحاسبة من أفسد أو تربح جراء أخطاء الماضي، والخطوة الأولى تبدأ بتطبيق بالدستور.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل تكون الانتخابات سبباً في تحقيق الاستقرار والرفاهية وترسيخ الديمقراطية في العراق، وتكوين حكومة ممثلة للشعب وقادرة على تطبيق الدستور، وتعالج أزمة الفقر في بلد يعتبر من أكبر دول العالم إنتاجا للنفط، حكومة لا تصعد التوترات بين الشيعة والسنة من جهة، وبين العرب والكورد من جهة أخرى، ولاتلجأ الى الخيارات العسكرية ضد البعض ولاتستخدم العقوبات الإقتصادية وقطع رواتب موظفي الدولة لأسباب سياسية؟
|