المرور والسياسة والروائح

مكرر كثيراً القول بانك تعرف مستوى شعب ما من ملاحظتك لحركة مرور المركبات والمواطنين وعلاقتهما ببعض، من حيث احترام النظام، ومستوى نظافة المراحيض العامة “إن وجدت!!
وقد انهينا الاحتفال الوطني باسبوع المرور، لكن حالة المرور في ترد كبير، ليس لعدم توفر خبرات مرورية، لكن لعوامل كثيرة، في مقدمتها هجمة “زبالستان” من استيراد السيارات على عهد حاكمنا المدني بريمر، بجانب أن القانون لم يعد يعمل كما في السابق، فمنذ ضعف قبضة النظام الشمولي عدنا لـ”قانون” العشائر، وصار شرطي المرور يتحفظ كثيراً في معالجة الانتهاكات لأنه عرضة لمطالبة عشائرية. لكن المتجاوز لا يخشى القانون، حتى بعض اللصوص يطلقون النار عليك، وعندما ترد عليهم تواجه مطالب عشائرية، كذلك حال الطبيب المعالج.
وبات مشهد متكرر لشاب يقود سيارة ويصيح عالياً “بالك..بالك”، كونه كان يقود عربة يجرها حصان ولم يعتد على استعمال المنبه، فيما البعض يحرص على استعمال المنبه باصوات مزعجة وقد تقتل مرضى القلب!
ومشهد حركة المرور مروع عندنا يومياً، بجانب كل اشكالات الطرق المغلقة، والسيطرات، فباتت سيارات كثيرة تسير عكس المسار.
وما يجري في شوارعنا نشهده في العمل السياسي، فما اسهل رؤية بعض السياسيين يخرقون القوانين، كما هو حال الانتهاكات المتكررة التي رصدتها مفوضية الإنتخابات، وهناك الكثير مما لا يسهل رصده، منه موارد الدعاية الإنتخابية للبعض، وتوظيف التوتر الآمني للتلاعب بحرية تصويت المواطن، وغيره كثير.
وضمن شارع العمل السياسي نرصد الجميع يتحدث عن الديمقراطية، لكن العديد من المتحدثين يعطي نفسه صلاحية شطب هذا الطرف او ذاك، بدون مراعاة أو احترام لما يمثله من ناخبين. أنه السير بعكس الاتجاه المسموح به (رونغ سايد). وفي هذا التوجه نفسه نرى سياسيين يعلنون أنهم باتوا الأقوى والأكثر قدرة على رسم الخارطة السياسية للحكومة المقبلة، وهم في هذا مأخوذين ببعض ملامح التقدم، متوهمين القدرة على اقصاء خصومهم.
وفي كل هذه التوجهات يتم بعث رسائل للمواطن في الشارع السياسي يجري فيها تغليب الأحلام واحياناً “الأوهام” على حساب الخارطة الحقيقية للواقع السياسي، استخفافاً بالحقائق الأجتماعية المتحكمة باتجاهات المواطنين.
وبقدر ما تتسم بعض القوى المدينية في وسط البلاد وجنوبه ببعض الرصانة، فان الشارع الكردستاني وقواه السياسية عموماً، تتسم بدرجة عالية من القدرة على الانضباط بقوانين “الشارع السياسي”، وليس التحرك بعكس ضوابطه، على الأقل في العلن.
وبقدر ما تتطلع القوى المدنية الديمقراط ية التقدمية في العراق، ضمنه كردستان، إلى العمل من اجل لم الشمل، فان ما تقوم به بعض الأحزاب والشخصيات، يتعارض مع هذه المهمة، بل حتى مع طروحات المرجعيات التي تزعم انها تحتكم لتوجيهاتها.
وعسى ان تسفر اسابيع المرور ونتائج الانتخابات عن مسار اكثر وضوحاً في شوارعنا وحياتنا السياسية، وليس استمرار الخروقات الصارخة.. فكلها سير في الاتجاه الخطأ (رونغ سايد)، فيما رائحة الفساد بعض من “مراحيضنا العامة”.