نتطلع لمفاهيم جديدة في مجلس النواب المنتخب

ما زلنا ننظر لمفهوم الدولة من خلال السلطة التنفيذية فقط وهذا ليس غريبا لمجتمع تربى على مفهوم السلطة والقوة والحاكم المستبد ولم يتعرف على مفهوم الدولة المؤسساتية المدنية وهذا المفهوم لم يقتصر على طبقة معينة دون أخرى بل عم كل الفئات الاجتماعية ونحتاج لفترة زمنية طويلة قبل أن  يتفهم المواطن إن البرلمان اكبر من الحكومة وهو الذي اوجد الحكومة وشرع طريقة عملها وإن الدولة هي البودقة التي تنصهر بها جميع التطلعات النخبوية والجماهيرية وهي الأساس الذي تتمركز حوله جميع الحراكات السياسية والفعاليات المجتمعية وينصهر فيها المجتمع السياسي المنبثق عن المجتمع الأهلي فتكون ـ أي الدولة ـ هي الغاية المتوخاة من إي حراك أو فعالية وليس العكس، وذلك إذا ما أريد إنتاج دولة مدنية وعصرية طالما داعبت تجلياتها مخيلة العراقيين الجمعية وهم ينظرون ليس فقط إلى العالم المتقدم وهو يخوض غمار التطور الدءوب والمستمر على جميع الأنساق ومنها النماذج الدولتية المتطــورة أو التي هي في تطور مستمــر، باعتبارها الإستراتيجية المتقدمة على جميع الستراتيجيات الحكومية أو السلطوية،وما يمكننا أن نسجله للديمقراطية العراقية أنها تتعامل بواقعية مع التنوع العرقي والديني في البلد، بما يؤمن شراكة جميع المكونات في السلطتين التشريعية والتنفيذية، ومشاركتها بالسلطة التشريعية أهم بكثير من السلطة التنفيذية، وهذا ما لم يدركه بعد الكثير من أبناء الشعب العراقي ولا يعرفون بأن النائب في البرلمان هو أساس الحكومة من خلال دوره التشريعي والرقابي على أداء الحكومة التي يجب أن تحظى بموافقة النائب البرلماني، بينما النائب البرلماني يأخذ مشروعيته من الناخبين وبالتالي فأن مكانته الدستورية كمشرع ومراقب تقتضي منا أن نعي أهميته وأن لا نتجاهل دوره. وبما إننا لا زلنا لم نكمل بعد غير عقدنا الأول الديمقراطي فبالتأكيد لم تترسخ بعد ثقافة السلطتين التشريعية والتنفيذية ليس لدى الناخب العراقي فقط وإنما حتى لدى بعض النخب السياسية التي لا زالت تنظر للبرلمان على أنه طريق للوصول إلى السلطة التنفيذية دون أن ينتبه البعض للمهام الأساسية للبرلماني، والبرلماني ليس بالضرورة أن يكون سياسي، فالتشريعات تحتاج لكفاءات تمتلك أفكار ورؤى ومطروحات وحيادية ومهنية، وما يمكن تشخيصه من سلبيات أو خلل في تجربتنا بأنها لا زالت ترتكز على خيارات سياسية وليست أكاديمية، ولا زالت تنظر لكل منصب على أنه سياسي وليس فني، وبالتالي نجد بأن نسبة كبيرة من مجالس المحافظات مثلا لا تعرف كيف تتصرف بخططها أو حتى تضع هذه الخطط لأنها نظرت لمهمتها في مجالس المحافظات من زاوية منصب سياسي وليس خدمي وبالتالي نجد خلل في جوانب التعليم والصحة والتشريع وغيره لعدم فوز أحد التعليميين أو الأطباء أو القضاة وغير ذلك. ومن خلال ما نجده في بعض التجارب الديمقراطية في العالم نجد بأننا لا زلنا في بداية الطريق، لم تتبلور لدينا الكثير من الصور والآراء فيما يخص ركائز الديمقراطية التي تعد الأحزاب ركيزة مهمة من ركائزها وهذا ما تفتقده الديمقراطية في العراق، لأن قانون الأحزاب لم يشرع وهذا يعني أننا افتقدنا لركيزة مهمة من ركائز البناء الديمقراطي الصحيح وأن لم تكن ذات تأثير كبير في إدامة النجاحات الديمقراطية لكن وجودها سيعزز من فرص التقدم، خاصة وأن هذه الأحزاب ستكون ذات توجهات فكرية وأيدلوجية وليست فئوية وجهوية ومناطقية، وهذا يجعلنا نؤسس مفهوم آخر للمواطنة والديمقراطية  وعندما نقول الثقة الدستورية فإنما نقصد عملية التصويت بالاقتراع السري بعيداً عن الضغوطات، وبعيدا عن النسب التي تقترب من  المائة في المائة لتي اعتدنا في منظومة الحكم العربية وعايشناها جميعاً في فترة حكم الدكتاتورية. وهذا يجعلنا نتأمل من من البرلمان المنتخب  عطاء أكبر في الجلسات القادمة، خاصة وأنها ستكون جلسات تشريعية غايتها الأساسية توفير   مناخ مناسب في قطاعات التعليم والصحة والبني التحتية وتشجيع التقدم العلمي واكتساب المعرفة والتكنولوجية الحديثة لأنه السبيل للرقي بالمجتمع العراقي ودفع عجلة التنمية للأمام وتجاوز تعثرات الماضي القريب منه والبعيد وردم الفجوة العلمية والتكنولوجية بين العراق والعالم ، وهذه لا تتم إلا  من خلال بناء دولة المؤسسات الثابتة ذات الخطط والبرامج الموضوعية التي تعتمدها  مسبقا ..