على الشيعة طمأنة شركاء الوطن |
ليس بإمكان أحد أن ينكر حقيقة ان المكون الشيعي هو الاخ الأكبر للمكونات للعراقية الأخرى ولذا فان خطيب مسجد الكوفة لم يأت بشيء جديد.كما أنه ليس من حق أي كان إلغاء دور تلك المكونات أوتهميشها واقصائها من المشاركة في إدارة البلاد ورسم مستقبلها ولذا فان السيد عمار الحكيم هو الآخر لم يأت بامر جديد. فمع غياب الاحزاب الوطنية العابرة للمذاهب والاديان والقوميات و التي تنصهر في بوتقتها المكونات المختلفة ، فليس من سبيل لحفظ حقوق المواطنين بمختلف إنتماءاتهم الا بمشاركة ممثلي جميع المكونات في ادارة البلاد ورسم سياساتها الامنية والاقتصادية والاجتماعية .
فالقاسم القومي المشترك بين العرب السنة وغالبية الشيعة العرب لم ينجح في توحيدهما وكذلك القاسم الديني، اذ ظل الطرفين بعيدين عن مفهوم (الأمة الاسلامية الواحدة) والتي جاء بها الاسلام قبل اربعة عشر قرنا غير انها ظلت حبرا على ورق ومنذ انتهاء حكم الخلافة الراشدة. فالانتماء المذهبي هو الذي يحكم علاقة المكونين. غير ان هذا الانتماء هو الآخر عجز عن التقريب بين السنة العرب والكرد الذين يتعبد معظمهم بمذاهب اهل السنة والجماعة اذ تراجع لصالح الانتماء القومي.
فيما كان الانتماء القومي والمذهبي هو الحاكم على علاقة المكون الكردي بالشيعي وعلى حساب الانتماء الاسلامي الذي يجمعهما برغم ان عامل المظلومية والنضال الذي جمع الكورد بالشيعة قد تجاوز في مرحلة ما الاختلافات القومية والطائفية ،الا انه تراجع مؤخرا لصالح الاختلاف القومي كما ظهر جليا في الاحتكاكات التي وقعت بين قوات الحكومة المركزية وقوات الاقليم والذي اعقبه تحذير رئيس الوزراء العراقي من مغبة وقوع صراع قومي يعيد عقارب الساعة الى الوراء. وكذلك ظهر العامل الطائفي جليا في التقارب بين حكومة الاقليم وبعض الدول الخليجية.
ولذا فان غلبة هذه الانتماءات المختلفة وعلى حساب الانتماء الوطني جعل حالة التأزم واحدة من أبرز سمات العملية السياسية الجارية في العراق اليوم. فبالرغم من مرور قرابة العشرة اعوام على ولادة هذه العملية ، الا أنها وما أن تخرج من أزمة الا وتقف على اعتاب أزمة جديدة . وأما محورهذه الأزمات فهو سعي ممثلي المكونات العراقية الى تحقيق أكبر قدر من الأمتيازات واقتسام السلطة تعويضا لعقود من الحرمان والتهميش وخير مصداق لذلك هي القوى الكوردية.
فالقوى الكوردية التي نالت قسطا وافرا من الظلم والاضطهاد طيلة العقود الماضية ومنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة ، تسعى اليوم الى تصحيح معادلة تأريخية معقدة في ظل اوضاع داخلية واقليمية متشابكة. الا انها تصدم بجدار من الصد والتلكؤ والتعويق من حكومة المركز التي ليس لديها رغبة في تصحيح تلك الاوضاع وفي حل تلك الازمات التاريخية كازمة المناطق المتنازع عليها.وهو الامر الذي ادى الى توتر علاقتها بالأخ الشيعي الأكبر.
وأما المكون السني فهو يشعر اليوم بالتهميش والإقصاء لا لضعف تمثيله في مؤسسات الدولة بل لإنه إعتاد على حكم البلاد ومنذ قرون ،ولذا فان كل ماتحظى به هذه القوى الممثلة له من امتيازات اليوم لا يرقى الى ماكانت عليه من قبل وهو الأمر الذي يأبى أن يفارق مخيلتها.
ومما ساهم في تعميق شعور هذه القوى بالتهميش هو مقاطعتها للعملية السياسية عند انطلاقتها ومعارضتها لها وكذلك اقصاؤها لاحقا من المشاركة في صنع القرار السياسي في البلاد لإنها لازالت محل شك وريبة من القوى الحاكمة اليوم في بغداد التي ترى أنها تتربص بها بانتظار فرصة سانحة للانقضاض على الحكم والاستحواذ عليه مرة أخرى . كما وأنها لا تحظى بثقة كبيرة من القوى الكوردية التي لازالت تنظر اليها على أنها امتداد للنظام السابق.
واما الطرف الاقوى في المعادلة اليوم فهي القوى الشيعية الحاكمة في بغداد اليوم ،فهي تهيمن على مفاصل السلطة بقيادة رئيس الوزراء العراقي وهي تعتقد كذلك بانها بصدد تصحيح معادلة تاريخية ظالمة فرضت عليها ومنذ قرون طويلة . حيث دفع الشيعة ثمنا باهضا حتى وصلوا لما هو عليه اليوم. وهذا الشعور هو القاسم المشترك بين جميع القوى السياسية الشيعية وبغض النظر عن وجهات نظرها المختلفة ازاء العديد من القضايا التي تهم البلاد.
ولذا فان الشيعة ليسوا بصدد التخلي عن المكاسب التي تحققت لهم خلال السنوات الماضية كما وأن شبح الماضي وبما يحمله من مآسي وآلام لايغيب عن مخيلتهم. ولذا فان من يراهن على انقسام داخل التحالف الشيعي بما يؤدي الى التفريط بالمكاسب التي تحققت او الى اضعاف الموقف الشيعي هو واهم ، بالرغم من حالة الفساد المستشرية بين الطبقة الحاكمة وبالرغم من دكتاتورية رئيس الوزراء وبالرغم من نقضه للعهود والمواثيق.
فالخوف الشيعي من عودة الماضي متجذر في نفوس الصدريين كما هو متجذر في نفوس اتباع المجلس الاعلى او دولة القانون او غيرهم.
ومن ناحية أخرى فإن حركة التأريخ سارت في صالح الشيعة وفي منحنى تصاعدي منذ انتصار الثورة الايرانية فايران اليوم تمثل الحاضن والراعي للشيعة في العراق ولبنان وهي تتحكم بسوريا ولها دور كبير في المنطقة .فالشيعة اليوم ليسوا كشيعة القرن الماضي ،وبرغم التحديات الكبيرة التي تواجههم الا انهم اليوم رقم صعب في المعادلة الاقليمية والدولية لا يمكن تجاوزه بل ولا حتى مجاراته باي حال من الاحوال .
الا ان النزاعات والاستقطابات الطائفية في المنطقة وضعت المنطقة ككل على كف عفريت وخاصة النزاع العسكري في الجارة سوريا والذي اتخذ بعدا طائفيا ولاهداف شتى خارجية وداخلية . فهذا النزاع تأمل بعض الدولة ومن خلال حسمه لصالح المعارضة الى تصحيح الاوضاع في المنطقة من وجهة نظرها وذلك عبر التعويض عن سقوط نظام صدام حسين في العراق . واما القوى الشيعية فترى في سقوط نظام الاسد تمزيقا لاوصال الهلال الشيعي الممتد من طهران الى بيروت وبالتالي اضعافها خاصة اذا ما علمنا بان الموقف الغربي يدعم مناوئيها المنخرطين في المشروع الامريكي الذي تصر معظم القوى الشيعية على مناهضته ومعاداته وخاصة ايران وحزب الله في لبنان ومعظم الفصائل الشيعية في العراق .
ولذا فان الصراع الدائر في سوريا اليوم ستكون له انعكاسات كبيرة على العراق وخاصة على المكون الشيعي .ولذا فتقع على عاتق القوى السياسية والدينية الشيعية مسؤولية كبيرة لتفادي آثار الزلزال القادم وسد الذرائع أمام شركاء الوطن الآخرين من استغلال الاوضاع الاقليمية ونتائجها وتوظيفها لصالح سعيها المحموم لتحقيق مكتسبات على الارض .
فعلى الشيعة اولا عدم التفكير بمنطقةالاكثرية والاقلية فهذه البلاد لا يحكمها سوى منطق الشراكة الوطنية الحقيقية.وهنا استحضر كلمة سمعتها من المفكر الاسلامي التونسي راشدالغنوشي والذي يرأس حزب النهضة الحاكم في تونس وقد القاها في جامعة وستمنسر في لندن الشهر الماضي اذ قال نحن في تونس وان فزنا باغلبية مقاعد البرلمان في الانتخابات القادمة وهو متوقع الا اننا لن نرضى الا بتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم الطيف السياسي التونسي المنقسم بين اسلاميين وعلمانيين لان بلادنا لا تحكم الا بمنطق التوافق.
ان العراق بحاجة لمثل هذا الفكر وهذه العقلية وليس لعقلية الاقصاء والتهميش والاستعانة بلغة القوة والتهديد .ولذا فان المطلوب من المكون الشيعي ثانيا ان يبعث رسائل طمأنة عملية للمكونات الاخرى يسعى عبرها الى كسب ثقتهم وذلك عبر اشراكهم مشاركة حقيقية في ادارة البلاد وعبر رسم خارطة طريق لحل كافة النزاعات التي اصبحت قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في اي لحظة في ظل اوضاع اقليمية متفجرة. وبذلك يمكن سحب البساط من تحت اقدام القوى الاقليمية والدولية التي تسعى لاستغلال الصراعات السياسية الدائرة في البلاد وتوظيفها في الصراعات الاقليمية .ولقطع الطريق أمام المتربصين بالعملية السياسية ،وكذلك لازالة كل الذرائع التي تدفع المكونات العراقية للارتماء بحضن القوى الخارجية اقليمية كانت او دولية.وبغير ذلك فان شبح الحرب الاهلية والتقسيم سيلوح في الأفق أكثر من أي وقت مضى. |