في المؤتمر الدولي لمكافحة الارهاب والذي عقد ببغداد مؤخرا قال المالكي في كلمته التي القاها في ذلك الملتقى أن " الارهاب والفساد وجهان لعملة واحدة ويترابطان بالاهداف والممارسات". ولم تأتي كلمة المالكي هنا من فراغ بل من معاناة "بلده" من الارهاب الخارجي والداخلي، أضافة الى استشراء ظاهرة الفساد التي من سعتها جعلت العراق يحتل احد اكثر المراكز تقدما في هذه الظاهرة الخطيرة حسب تقارير منظمة الشفافية الدولية طيلة سنوات ما بعد الاحتلال ومن ضمنها دورتي المالكي في رئاسته للوزراء.
تحاول حكومات ما بعد الاحتلال الامريكي للبلد أن تحمّل ظاهرة الفساد والرشوة التي هي اساس تفشي الفساد على النظام البعثي المنهار فقط، دون ان تأخذ بنظر الاعتبار مساهمتها ومشاركتها أضافة الى تقاعسها وشللها في معالجة هذا الملف الخطر والذي من الممكن في حالة استمراره ونموه بنفس الوتيرة التي هو عليها اليوم ان يهدد كامل النظام السياسي ويحوله من نظام ديموقراطي الى نظام اشبه بالانظمة الشمولية والعائلية، كون الفساد في هذه الحالة يؤخر عملية الاصلاح السياسي ومن الممكن ان يحل محله. والرشوة التي هي اساس الفساد والمرادفة للارهاب مثل ما قال السيد المالكي جريمة ولا فرق بين رشوة صغيرة وكبيرة الا من حيث مقدار الضرر الذي ستسببه للمجتمع، ومن الطبيعي ان الرشى الكبيرة تكون ذات اضرار اكبر من الصغيرة. وهنا تكون الرشى المقدمة او المحصّلة من المسؤولين الكبار اكثر ضررا من تلك التي عند الموظفين الادنى رتبة او الصغار ولكنهما في النهاية يساهمان في ترسيخ ظاهرة الفساد. وهذا ما أكّد عليه أستاذ العلوم السياسية " صموئيل هانتنتون" عندما قال (المتنفذون السياسيون هم أكثر فساداً من كبار الموظفين، وموظفو الدواوين الأعلى مركز وظيفي أكثر فساداً من الآخرين. كما أن رئيس الجمهورية أو القائد الأعلى، يفوق الجميع فساداً، وهذا النمط من الفساد لا يكون بالضرورة متعارضاً مع الاستقرار السياسي طالما سُبل التحريك نحو الأعلى والآلية السياسية والبيروقراطية متاحة. لكن إذا حصل تنافس على المكاسب المالية بين أبناء الزعماء السياسيين وآبائهم وبين جنرالات الجيش الأكبر والأقل رتبة عسكرية. في هذه الحالة يصبح النظام معرضاً لخطر الزوال، ويتوقف الاستقرار السياسي على حجم الفساد وحركته باتجاهين من الأعلى نحو الأسفل ومن الأسفل إلى الأعلى).
هناك أمور مهمة وتؤثر بشكل واسع في توسيع رقعة الفساد، ومنها استشراء ظاهرة البيروقراطية والتضخم الوظيفي في السلكين المدني والعسكري ودورهما في ترهل الاقتصاد وأستنزافه خصوصا في الدول الريعية "كالعراق"، ونهج المحاصصة الحزبية والطائفية في رسم سياسة البلد، والتأثير الحكومي على المؤسسة القضائية كي لاتأخذ دورها المناط بها في محاربة ظاهرة الفساد. وتبقى مساهمة السياسيين الكبار ومنهم اعضاء البرلمان والقضاة من اكثر انواع الفساد خطورة على مستقبل البلد السياسي وتوجهه المستقبلي في أحتواء الديموقراطية وتحويلها الى آلية لترسيخ سلطة البرجوازية الطفيلية الناشئة نتيجة استغلال وظيفتها في ترسيخ شكل مشوه لقيادة الدولة والمجتمع وهو الشكل المحاصصاتي. هذه البرجوازية التي تعمل نتيجة هيمنتها على مراكز القرار وتصرفها غير الشرعي بالثروة الوطنية وعدم توجهها الجاد لتنويع الاقتصاد واخراجه من أحادية اعتماده على النفط، تساهم عن وعي في ترسيخ سلطة الفساد وعلى رأسها الرشوة لتشمل كامل السلّم الاداري من أصغر موظف بالدولة انتهاءا بقيادة الدولة، وتبقى مسألة فساد ورشوة القضاة والبرلمانيين هي الاخطر من غيرها كونهما يمثلان ضمير الشعب. ومن اهم صفات القاضي هي ترفعه عن الرشوة وعلو همته، فهل تتوفر هاتين الصفتين في العدد الاكبر من قضاة العراق وبرلمانييه؟
اثناء الانتخابات البرلمانية الاخيرة استخدمت مافيا الاحزاب الدينية وعلى رأسها مافيا حزب الدعوة الاسلامية وما تسمى بـ "دولة القانون" بقيادة المالكي اراضي ومساكن واموال البلد من اجل شراء ذمم الناس للتصويت لقائمته. فرأينا المالكي يبدأ حملته الانتخابية بتوزيع المساكن على الفقراء، ويمنح أصهاره سندات أراض لتوزيعها كدعاية لصالح حملتهم الانتخابية، وغيرها الكثير ومنها تعيين موظفين وشرطة ورفع الحظر عن رواتب السجناء السياسيين وامور اخرى عديدة. ولكن تبقى هناك حالة غريبة للغاية وموثقة صوتا وصورة وهي اقدام قاض مرشح ليكون برلماني بتوزيع سندات اراضي على محتاجيها من فقراء شعبنا. هذا القاضي هو محمود الحسن ولعمري لا محمودا هو ولا حسن ولا يمتلك شيئا بما يتميز به القضاة، ليس لوحده بل ومعه كامل السلك القضائي الذي صمت صمت ابي الهول وهو يرى "مدلل" المالكي هذا يهين ليس القضاء العراقي وحده بل القضاء في كل ارجاء المعمورة. والانكى ان قياديين من اتباع المالكي طالبوا بمحاسبة اللامحمود واللاحسن هذا لوحده بعيدا عن ولي نعمته "المالكي" وكأن قاضينا غير الجليل هذا كان يوزع "چكليت" وليس اراض سكنية منحها اياه السيد المالكي وكأنها من ارث جده ابو المحاسن وليست اراض العراقيين المبتلين بطائفية الاحزاب الدينية وتخلفها.
أن عدم الغاء أصوات هذا القاضي المرتشي والذي منحه سندات تلك الاراضي اي المالكي ستبقى كاكبر وصمة عار في جبين القضاء والسياسة العراقيتين كون القضاء لايحابي احدا ولايبخس حق الاخر، والاخر هنا شعبنا ومستقبله. واذا كان منصب القاضي في فرنسا قديما يشترى من القضاة ليتولوا تحصيل ما دفعوه مع الارباح من الخصوم. فأن برلمانيي العراق اليوم كقاضي المالكي غير الجليل هذا واصهاره واولاد اخيه واقرباءه ومرشحي دولة "لاقانونه" وغيرهم من مرشحي الجهات الطائفية الاخرى. يشترون منصب النائب البرلماني ليتولوا تحصيل ما يدفعوه مع الارباح مستقبلا من خصومهم، ولكن المشكلة الاكبر ان خصوم هؤلاء النكرات هم شعبنا ووطننا وثرواته.
لا وطن مع الظلم ... "لابرويير"
|