في كل مرة اقرأ بعض التصريحات الرسمية اصاب بالصدمة من كثرة الرنين الخطابي والشعاراتي الذي يكاد يفرغ الكلام من محتواه ويجعله شبيهاً ببيان اعلامي في دولة شمولية بعيداً عن قراءة الحدث وطرح البيانات الموثقة بالارقام والادلة . في الدول الديمقراطية يكون الخطاب الرسمي متماهياً مع نبض الشارع ومع الحقيقة الشعبية, لان الهــــدف فها توثيق الحقيقة وتأشير النواقص ووضع الحلول للمشاكــل, اما اذا استحال هدفه التغطية والتقييم وتكذيب التقارير الدولية والوقوف نداً لكل من يحلل واقعنا بحسن نية وينبهنا الى عمق الازمات على كافة الاصـــــــــعدة, نقول اذا اصبح هذا واقع الحال فأن خطابنا الاعلامي يتحول بالضرورة الى خطاب نظام وحزب وايدولوجيا واحدة وينفك عن التنوع المجتمعي والسياسي والفكري والثقافي الذي يفترض انه السائد في الدول الديمقراطية, وفي العراق كدولة تسير على هذا الطريق. المسؤول العراقي مازال يخاف الآخر ويتخوف من المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية التي تصدر تقاريرها بشأن العراق. لذلك غالباً ما يكون التكذيب والتفنيد والاتهام بالمؤامرة هي اللغة التي يتعامل بها مع دول ومنظمات هي بالاساس صديقة وهمها تنمية الديمقراطية وقطع دابر النتوءات وتأشير مواطن الوهن, ولا تنوي ابداً اهالة التراب على المنجزات او على تطلعات شعبنا. وهذا ما يخلق غالباً تباعداً بين رأي الشارع والجمهور والرأي الرسمي حول هذه التقارير الدولية . هذا ما يحصل حين تأتينا تأكيدات موثقة ان بغداد اسوأ مدينة للعيش وان المرافق الخدمية فيها من ماء وكهرباء وتنظيف وامان في ادنى مســــتوى, أو قضية السجينات في سجون وزارة العدل, او انتهاكات حقوق المرأة, او اليات رعاية الطفولة والاسرة. كل هذا لا يواجه من قبل الجهات المعنية بالمراجعة والتفهم والشكر للجهات الدولية التي ترصد الحالة العراقية, بل بالتعنت والتنكر والتعمية وهذا ما يزيد ازماتنا عمقاً ويوسع فجوة التنافر بيننا وبين المجتمع الدولي. ان هذه التقارير الدولية هي نفسها التي استندنا اليها كأدلة لتبرير اسقاط النظام الدكتاتوري السابق, واصحاب التقارير هم مجموعة اصدقاء الشعب العراقي حين كنا في خندق المعارضة, وكنا حينها ننعت التقارير بالصادقة والمتفهمة لوضعنا والمدافعة عن تطلعات شعبنا, فما الذي تغير الان لكي نشكك فيها ونضعها في خانة الاعداء؟ نعتقد ان الخطاب الرسمي بحاجة الى غربلة ليتحول من خندق التطبيل الاعلامي المنحاز الى ضفة الاصطفاف مع العالم والمجتمع الدولي لكي يكون قادراً على مساعدتنا والدخول في شراكة فاعلة معنا, ولكي نكون جزءاً منه منسجماً معه ومكملاً له ومتناغماً مع اليات عمله, وليس متنافراً ومتصارعاً ومتعارضاً لان ذلك يخرجنا حتماً من دائرة الاهتمام الدولي. ان كل الدول الديمقراطية نجحت وتفوقت حين اندمجت بالمواثيق الدولية وجعلت قانونها خاضعاً للقانون الدولي ولمعايير حقوق الانسان العالمية, وحين اصغت للتقارير الدولية وعدلت سلوكها وفق نصائحها وتقديراتها التي عادة تقوم على الحقائق والارقام والبيانات والعمل الميداني التدريجي التراكمي التوثيقي, ولا تستند الى خطاب اعلامي او بيانات عدائية .
|