ظاهرة خطف البنات جريمة لاتغتفر..

ما يحدث اليوم في العراق من جرائم الخطف قد يصيب البعض وقد لا يصيب اخرين ..وقد يتاثر به البعض وقد لا يتاثر به اخرون ..يوميا تسمع بجريمة وقعت هنا واخرى هناك ..تنوعت الجرائم وتفرعنت ويبقى ضحاياها هم الابرياء وغالبيتهم من الفقراء ...

كل كاتب لايكتب من فراغ وانما عن معاناة ...وانا شخصيا عانيت كثيرا وطويلا من جريمة خطف اولادي وفقدانهم وبلا ذنب ...ولهذا ستكون الكتابة اليوم عن جرائم الخطف نابع من تجربة واقعية ومعاناة حقيقية ... فلا تستغربوا عندما اتعاطف مع عوائل المخطوفين او مع الفتيات المخطوفات في نيجيريا او الراهبات اللائي كن مخطوفات في معلولة بسوريا مثلا ...(فالمخطوف انسان مهما كان دينه او وطنه او قوميته )..ولهذا اتألم واندد واستنكر اختطافهن ولكن هل هذا يكفي ؟؟؟ ابد لايكفي ...والالم يتضاعف عندما اسمع خبر اختطاف بنت او انسان بريء من وطني العراق او من مدينتنا او محلتنا او من العيلة...وفي هذه الحالة اجد ان مشاعري لاتقتصر على التعاطف والتألم لحال المخطوف وعائلته ...وانما ازداد قلقا على عائلتي وعلى اهلنا الموزعين في كافة انحاء المدينة .. وتجد التعاطف بين العراقيين يا خذ طابعا ومنحى اكثر انسانية كابداء المساعدات الممكنة من خلال الاتصالات وتكليف المعارف ...وحتى المشاركة والتبرع في جمع اموال الفدية.. وهي صفة محبوبة من صفات العراقيين النشامى ..

حوادث الخطف اصبحت ظاهرة شائعة بالعراق لعدة اسباب اولا كونها بسيطة التخطيط ..سهولة التنفيذ ..سريعة المردود ..قيمة عالية للمردود ..الفدية نقدية ويصعب متابعتها في بلد متخلف كالعراق ...وبنفس الوقت تعتبر من اكبر الحوادث ماساوية وايلاما للعائلة وتاثيرا على المشاعر العاطفية وربما مخاطرها اقل من جرائم ...

فليس من الهين على اية عائلة غنية او فقيرة مثقفة اوجاهلة نكرة او معروفة تستطيع تجاهل اثار الخطف ..وهي تفاجأ باختطاف احد افرادها وبدون سابق انذار ( وفي معظم الاحيان يكون السبب والجهة الخاطفة مجهولة بالبداية ) ..فتبدأ العائلة بالتشبث بكل خيط او بصيص امل يبزغ امامها .. وانا شخصيا مررت بهذه التجربة القاسية .. وبالرغم من مرور ثماني سنوات طويلة على خطف اولادي ..اشعر بهول الصدمة وكانها تحدث اليوم ..وكلما اسمع انا وعائلتي بخبر اختطاف احد من الناس سواء من الاقرباء او المعارف وحتى من الغرباء ...تتجدد في دارنا معالم الحزن والالم ..وقد تصل الى درجة البكاء وحسب قرب المخطوف منا وظروفه العائلية ..لانه ثبت وبالتجربة ان فقدان العزيز عن طريق الخطف يؤلم ويدمر مليون مرة اكثر من الفقدان بالوفاة عن طريق التعرض لحادث ارهابي مثلا..

اما اذا كان المخطوف امرأة او فتاة ..فهنا الكارثة اعم واشمل واتعس واكثر احراجا لعائلتها المنكوبة...فقط لكونها انثى وتعتبر في مجتمعنا العراقي المحافظ ( عورة ) وهي تمثل شرف العائلة والعشيرة ...فكيف يخطف شرف العائلة ؟؟

فالعائلة العراقية تحرج غاية الحرج عندما تخطف ابنة العائلة فلايدرون ماذا يفعلون ويصبحون مثل بلاع الموس كما يقول العراقيون ...لان بلاع الموس هو لايستطيع بلعه لانه يجرحه ولا يستطيع اخراجه من بلعومه لانه ايضا يجرحه ...فعندما يخطف الرجل نجد ان الخبر ينتشر كالنار في الهشيم حال اعلانه وبلا تردد...اما اذا كان المخطوف امرأة او فتاة ..نجد عائلتها في اول يوم تتكتم على خبر خطفها وتحصره في دائرة ضيقة جدا..خوفا من ان تشوه سمعة شرف العائلة وسمعة البنت نفسها ..وبعد ان يعجزوا عن ايجادها ..يعلن الخبر...ويشاع عسى ان يجدوا من يساعدهم في ايجادها

للاسف ان الكثير من الناس في الاشهر الاخيرة تعرضوا للخطف والابتزاز..وانا شخصيا سمعت باربع قصص خطف اثنان لرجال واثنان لفتيات ..انتهت ثلاث منها بدفع فدية بالملايين .. اما الاخيرة وهي خطف فتاة في طريقها لمدرستها المتوسطة ووقع الحادث قبل اربعة اوحمسة ايام ...وهي من سكنة محلتنا بالذات ولم يعرف مصيرها حتى الان ولم تعرف دوافع الخطف ولاجهة الخطف ... ومهما كان الدافع فهو مصيبة ونكبة ..فان كان الدافع من اجل المال فهنا الطامة الكبرى لان عائلتها عائلة فقيرة مدقعة ووالدها عامل وصاحب عائلة كبيرة وانسان نبيل وطيب ومسالم ويندر وجود امثاله هذه ا لايام ...مما يؤجج العطف عليه والتالم لمصيبته ويرثى لحاله ..

اما اذا سالتني لماذا اكتب عن هذه الماساة .؟؟..فانا لااتوقع من مسؤول امني او حكومي سيهتم بالامر لانها وكغيرها من الحوادث التي تقع وتتكرر يوميا ولا احد يشير اليها في صفحات الحوادث كالسابق (قبل 50 سنة ).. وهنا لااتبلى على احد ...فهم اعرف بواقع الحال وبها مني اومن غيري ولكن اكتب عن امثال هذه الحوادث والنكبات والمصائب التي يتعرض لها المواطن ويعاني منها بصمت ومرارة ولوحده بعد ان فقد الثقة بالاجهزة الامنية ووصل الى قناعة هي عاجزة عن حماية نفسها فكيف ستحميه هو وعائلته ؟؟ وكم من حادثة خطف سجل ذويها اخبار عنها في مراكز الشرطة وسجلت ضد مجهول ..واهملت ملفاتهم فوق الرفوف العالية ؟؟؟

السبب في انتشار هذه الظاهرة هو تقصير الحكومة واجهزتها الامنية والقضائية وعجزها بسبب ضعفها وفساد اجهزتها الامنية وكونها فاشلة لانها تفتقد الى الخبرة والعلم ..والى القوانين الصارمة والرادعة ...وفقا لقاعدة من امن العقاب اساء الادب ..

ولو تمعنا وتعمقنا قليلا لتوصيف جريمة الخطف لوجدناها تقع تحت بند الجريمة الجنائية التي يتعامل معها القانون ويعاقب عليها كجريمة جنائية عادية وبنفس الوقت يمكن اعتبارها كجريمة ارهابية تطبق عليها الفقرة 4 ارهاب ...لما لها من اثار عميقة على امن واستقرار المجتمع المدني ... ولكن وللاسف تعتبر جنائية في اغلب الاحيان حسب الهدف ونتائج عملية الخطف ومزاجية المحقق والقضاء و(دهن السير )..مما ساعد على انتشارها ...

وانا شخصيا اعتبر كل جريمة خطف مهما كانت ظروفها المحيطة بها وترتكب بمثل ظروفنا الحالية التي يمر بها العراق هي ارهابية بامتياز ويجب تطبيق المادة 4 ارهاب على الفاعلين وتطبيق اشد العقوبات بحقهم ...لانها تنشر الفوضى والقلق والخوف والرعب بين المواطنين واعطيكم مثلا على ذلك يحدث هذه الايام في منطقتنا ..فكل العوائل وبعد ان انتشر خبر الخطف تراكضت لحماية ابناءهم وبناتهم من خلال اصطحابهم ذهابا وايابا للمدرسة كحماية لهم... فما ذنب هذه العوائل لتتحمل كل هذه المشاق والقلق ؟؟؟ وهل يحدث في المجتمغ البريطاني مثله ؟؟؟

والسبب الثاني ...قد تذهب الفدية التي تؤخذ من العائلة المنكوبة وتدفع الى الارهابين لتمويل عملياتهم الارهابية ...ولو كانت لدينا حكومة راشدة وتفهم مسؤوليتها لحاربت هذه الظاهرة قبل ان تذهب للصحراء او تلول حمرين لمحاربة الدواعش ...فهؤلاء اخطر على الامن الوطني والمدني والانساني ..

اذن نستنتج ان اي تقصير حكومي في هذا المجال يعتبر جريمة بحق الشعب والانسانية ...لان الكثير من جرائم الخطف تستغل لتجارة الاعضاء البشرية اضافة الى تمويل الارهاب...فاية جريمة ابشع من هذه الجريمة ...فمن منا يستطيع تصور ان ابنه او ابنته ...تقع بين يدي قصاب مجرم ...يقطع اوصالهم لاستخدامها كقطع غيار تباع بالسوق السوداء ؟؟ ..لنعش للحظات في هذا التصور .. وعندها يمكننا تصور حالة عائلة المخطوف النفسية عند سماعهم خبر الخطف ...

اما حالة المخطوف النفسية اثناء عملية الخطف والاحتجاز ولحين اطلاق السراح بعد دفع فديته ...فحدث ولا حرج ...فانها لاتوصف .. وقد سمعت قصص واحاديث من بعضهم ..تشيب لها الولدان فبالرغم من قصر مدة الحجز عادة و لاتتجاوز اسبوع ... فهم يخرجون نصف مجانين واثارها تبقى طيلة عمرهم ..فما ذنب المخطوف او عائلته او المجتمع المحيط بهم لكي يتعرضوا الى هذا الموقف المؤلم ؟؟؟

وكل هذا يحدث بسبب قصور وضعف الاجهزة الامنية واما بسبب الفساد المنتشر او الفشل وقلة الخبرة والاخلاص للوطن والمواطن ...

قد لاتصدقون ... ثماني سنوات مضت على خطف اولادي وانا وامهاتهم واراملهم واطفالهم نبكيهم يوميا دما و دموع فهم اكبادنا واحبائنا ولا يمكن ان ننساهم لحظة واحدة ...

وحكومتنا الرشيدة والعتيدة والعنيدة والبليدة...لاتعالج هذه الجرائم وغيرها بيد من حديد وبما تستحق من عقوبات رادعة ..ولكن ماهمهم واولادهم وبناتهم فهم في بلاد الكفر امنين و بالخيرات يرتعون ويبربعون ؟؟؟

فهل احست حكومتنا يوما ما او ستشعر بالمستقبلوخلال السنوات الاربعة القادمة ؟؟ بحال هؤلاء الضحايا وعوائلهم ومعاناتهم ؟؟؟ الا يسألون انفسهم ولو لمرة واحدة ..لم يضطر الضحية وعائلته لكي يدفع فدية اكبر من طاقته المالية وحتى اكبر من طاقة عشيرته اجمع ؟؟ لكي يدفعها لمجرمين قد زاعتهم الارض والسماء ؟؟ والادهى من هذا لا يستنجد ولا يستعين بالحكومة ؟؟.. لان المواطن وصل الى قناعة بانه في وادي وحكومته العلية في وادي اخر ...ولاهم لهم سوى الكرسي والمنصب وشفط ولفط اموال الشعب ...

وانا وكل معذبي هذا الشعب المظلوم نلعن اليوم و الساعة التي اسقط فيها الصنم ...لان سقوطه فرخ الاف الاصنام ..

هذه صفحة سوداء واحدة من سجل صفحاته التي لا تعد ولا تحصى ومعظمها سود كالفحم ...فمن سيكون شريفا ونبيلا ليرمي طوق النجاة والانقاذ لفقراء العراق ...؟؟ ويوفر لهم الامن والامان والعيش الرغيد وراحة البال ...فهل تعرفوه ؟؟ دلوني عليه..يخليكم الله .. ماجورين ...

الا تبت يداك يا ابا الفوضى الخلاقة والديمقراطية العملاقة وتبت يدا امك وابوك واهلك وبنوك ...الذي اوصلتنا لهذه الحال المأساوية ..

اللهم احفظ العراق واهله اينما حلوا اوارتحلوا ...