الأغلبية السياسية.. مسرحية ما قبل الحصاد

ثمة حديث يدور حول مشروع للحكم في المرحلة القادمة تحت عنوان الأغلبية السياسية. من الأكيد أن أغلبية من هذا النوع ستتجاوز على الأقل من ناحية الخطاب الثقافي النظري ما أتفق على تسميته بنظام المحاصصة الطائفية والقومية والذي سمي من باب التلطيف بالديمقراطية التوافقية.
الكلام كما إعتدنا أن نقول (ليس بفلوس) لكن (تفليسه) بعد ذلك ولو قليلا سيؤكد على أننا نتعرض لخديعة جديدة من شأنها أن تطيل من عمر المأساة وتدفع في شراينها دماء جديدة.
بداية لا أعتقد أن اصحاب المشروع الجديد, وفي المقدمة منهم المالكي, مهتمون جديا بهذا المشروع, أو صادقون تماما معه, فلقد كان أمامهم على الطاولة, بعد الإنتخابات الأخيرة التي كانت تمت قبل أربعة سنوات, حينما إختار الناخب العراقيقائمتي العراقية ودولة القانون اللتان حصلتا على أعلى الأصوات, غير أن العودة عنه كانت قد جرت سريعا فتمت النقلة عنه إلى مشروع مضاد ومعاكس تماما وليس فقط إلى مشروع أو صيغة معدلة.
وحتى على إفتراض حسن النوايا وعدم وجود ضغوط أجنبية أدت إلى تراجع المالكي تفسه عن الإتفاق على مشروع الأغلبية السياسية فإن الذي حصل بعدها أكد على أن مشروع الأغلبية السياسية لا يمكن ان يكون نتاجا لنوعية لعملية السياسية التي جاءت بدعم من الإحتلال وكوليد شرعي يتفق مع مراميه.
أجزم أن المشروع الذي طرح قبل الإنتخابات الأخيرة كان وما يزال ليس أكثر من خطوة تكتيكية وليس فيه اي غرض إستراتيجي على الإطلاق, فهو, وعلى ضوء نوعية القوى اتي تطرحه لا يأتي هنا إلا من باب الضغط والتهديد للحصول على تنازلات وضمانات ضمن النظام الطائفي والقومي المحاصاصاتي نفسه.
ولأن القول بقائله, فإن وقفة سريعة أمام الخطاب السياسي والتكوينة البنيوية لحزب الدعوة ستؤكد من جانبها على هذا التشخيص, فالحزب ذاته قائم على فقه وإنتماءات طائفية بحتة لا تسمح له بقيادة مشروع من هذا النوع لأنه سيفقد الحزب ركائزه التنظيمية والفقهية ويدخله في دائرة الفقه الوطني الذي نشأ بالأساس كضد نوعي له.
ولست مستعدا للقبول بفكرة أن يتطور حزب بهذا الإتجاه لعلى طريق يتناقض مع خطابه الثقافي والسياسي والتنظيمي. وإذا قيل أن هناك إمكانات للتطور على ضوء المارسة العملية التي لا بد وأن تفرض تغييرا في الخطاب الإجتماعي والثقافي والسياسي, وإن الحزب الذي نشأ في ظروف خاصة, قد جابه ظروف ما بعد السلطة التي يمكن أن تلهمه أو تجبره على هذا التغيير فساقول أن تغييرا كهذا لو انه حدث فسوف يظل في حدود مشهده التكتيكي ولا يتعداه إلى حيث الجوهر. لا بل إنني اجد أن المحافظة على السلطة, بكل الشروط والظروف المحيطة بها تفرض حتمية البقاء والتمسك والتجذر ضمن ثقافة المحاصصة نفسها.
إن خروج الأحزاب الإسلاموية الطائفية بطبيعتها التنظيمية والفقهية من فقه المحاصصة إلى فقه البرنامج الوطني الذي يتأسس عليه ولأجله مشروع الأغلبية السياسية هو امر صعب وحتى مستحيل لأنه لا يتناقض مع طريقها المضمون للفوز بالسلطة فحسب وإنما يتعارض بالأساس مع طبيعتها الفقهية والتنظيمية الأمر الذي يفقدها ضمانات إستمرارها في السلطة او بقاء ايديولوجياتها الحديدية, فهو بالتالي أقرب إلى ان يكون مشروعا إنتحاريا لا غير.
ولعل مشروع الأغلبية السياسية يبدأ من تحت, اي من طبيعة الأحزاب التي تدعو إليه. ولأنه مشروع يهتدي بخطاب وطني ويسعى إلى تجسيدة وليس عبارة عن صيغة لتقاسم السلطة فإن شكل هذا المشروع ومراميه, الذي يطرحه المالكي ويلوح به لا يبتعد عن كونه مشروعا تكتيكيا بحتا, وسيكون من شأنه خلط الأوراق ليس أكثر, وهو إن تحقق فسيكون عنوانا لمرحلة قادمة يتسيدها الغش والنفاق السياسي ليس إلا.
إن مشروع الأغلبية يفترض بداية أن تنادي به وتعمل له أحزاب ذات برامج وبنى تنظيمية وطنية, أما الأحزاب ذات البنى الطائفية والعنصرية القومية فهي لا يمكن أن تجتمع مع مشروع الأغلبية السياسية تحت سقف واحد., فإن حصل وإن إنبثق مشروع كهذا فهو سيكون أشبه بصناعة قطار بإطارات من المطاط وبمحرك دراجة مع سائق هدفه أن يقود القطار إلى الخلف, لأن الأمام نقيضه.