أهو جنون الحكم أم هي امتيازاته ما تدفع بنوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي إلى التشبث بالسلطة بعد ثمان سنوات، اثبت الرجل فيها أنه لا يملك الاستعدادات التي تؤهله للقيام بواجبات وظيفة، ينتفع منها الناس في مكان عام إلا إذا كان ذلك المكان حسينية أو ما شابهها من الاماكن المغلقة التي يرتادها بشر لا يعولون على خدماتها المباشرة بقدر ما يهتمون برمزيتها القطيعية. فكيف به وقد احتل منصب رئيس السلطة التنفيذية في بلد سلمته الحروب المتلاحقة للخراب الشامل؟
كانت الجهات التي استند المالكي إلى رضاها في البقاء في منصبه لولاية ثانية مطمئنة إلى أنه لن يترك أثرا في الحياة السياسية العراقية. سيكون أثره شبيها بشخصيته التي يمكن تفادي تذكرها بيسر.
كل ما قاله الرجل وكل ما فعله كان منصبا على التلويح بالحرب الاهلية التي وقع جزؤها الاول في ولايته الاولى وكان عاقدا العزم على أن تشهد ولايته الثانية الجزء الثاني منها. غير أن شريحة من العراقيين قاومت مشروعه وافشلته.
كان القبول به نوعا من الرضوخ لارادة دولية، وكان العراق يومها محتلا.
لقد قيل يومها "ليكن المالكي ما يكونه على مستوى الافكار التي يؤمن بها، بشرط أن لا يستعمل تلك الافكار في تكريس نزعة طائفية مريضة". وهو الامتحان الذي فشل فيه. عراقيته كانت دائما على المحك، غير انه في كل ما فعله كان قد انزلق بها إلى هاوية حدودها الضيقة. كان قد همش عراقيته لصالح مذهبيته.
غير أن شيعيته هي الاخرى كانت انتقائية.
ولولا وجود اطراف حزبية شيعية المذهب، هي جزء من الطاقم السياسي الذي كرسه المحتل الاميركي للتصرف بشؤون العراق والتحكم بمصائر العراقيين، لكان المالكي قد أعلن حزب الدعوة باعتباره الفرقة الناجية في مواجهة الجميع.
لقد عاش حياته كلها وهو سجين خرافات حزب ارهابي، لا يرى العالم إلا من خلال فتحة نفق مظلم. حياة ضيقة لم تكن تتسع إلا أمام خبرة القتل والمكائد والدسائس.
وهي الحياة التي لم تكن مهيأة للانتقال بمن عاشها إلى أن يكون مرئيا تحت الشمس، بل وحاكما لا يُرد له طلب. كان حلمه أن يقبل يد خامنئي فإذا به يجلس على كرسي مطمئنا إلى أن ايقونته الايرانية تنصت لكلماته.
الرجل الذي لم يكن يحلم يوما ما في أن يستعيد وظيفته الصغيرة في مديرية تربية الحلة، مركز محافظة بابل، قدر له أن ينفق ترليون من الدولارات بطريقة عبثية، كان الهدف منها تكريس وجوده حاكما مطلقا.
ثمان سنوات من حكمه مرت من غير أن يتمكن العراق من مغادرة النفق المظلم الذي ادخله فيه الاحتلال الاميركي. وهو نفق تسكنه وحوش من كل الانواع، بعضها لا يزال نائما فيما استنفد البعض الآخر أغراضه واختفى.
كان المالكي ماهرا في صناعة الفزاعات التي ساعده وجودها في اشاعة أجواء الرعب بين صفوف العراقيين البسطاء. وهو ما دفعهم إلى السكوت عما يُلحق بهم من ظلم يومي، مخافة أن يقع الاسوأ.
اما خصومه، فانهم يدركون ان استمراره في الحكم فاشلا افضل من خروجه من الحكم ناجحا.
معادلة تستفيد منها أطراف عديدة، ليس من بينها الشعب العراقي.
فمن خلال فشل المالكي في أن يكون رجل دولة، وطني في نظرته إلى استقلال العراق ووحدة اراضيه وحرية وكرامة العراقيين، نزيه في تصرفه بالمال العام استطاع اللصوص وقطاع الطرق والافاقون والمحتالون أن يتسللوا إلى مفاصل الدولة لينهبوا الجزء الذي تبقى من ثروة العراق بعد أن أنفق المالكي الجزء الاساس في شراء الولاءات.
لقد أدرك الفاسدون أن جنون الحكم وقد تمكن من المالكي لن يجعله قادرا على فتح ملفاتهم، هذا إذا لم يكن المالكي نفسه قد تورط في الفساد، وهو ما تؤكده مشاريع وهمية كثيرة كانت قد جرت برعايته.
يوما ما سيقول القضاء العراقي كلمته في ما إذا المالكي فاسدا أم لا، غير أن ثمان سنوات من الخراب، عاشها العراقيون وهم ينصتون إلى خطاباته المحملة بالعدوانية تكفي لتقديمه إلى القضاء بتهمة الحث على الكراهية.