أول المرتقى... د. ماجدة غضبان المشلب |
ليتهم يرون ما أرى، ليس لأنني امتلك الحقيقة المطلقة، بل لأنني أرى الأشياء البسيطة جدا حد اقترابها من البديهة بألوانها الفطرية لا بألوانها التي حشرت في منظوري حشرا، و أصبحت بيني و بين كنه ذاتي.............
أهوار الطعام هنا لا يكفي ، و الماء يشح بإستمرار.. و الحر قاتل.. مشاجرة مع مخالب الفضاء قد تسببت في كسر جناحي ، و تناثر ريشي على اغصان شجرة برية مشوكة ، عدا جروح طفيفة في الجؤجؤ.. الساقية الضحلة التي يسمونها فخرا بالنهر.. أصابت خيال اللاغطين بعطب ما ، و غرقت في قعرها العاري كل آثار رحلاتنا نحو الشمال.. رغم انها ليست كل ما في الأرجاء ، فقد كررت الشموع المقدسة ذوبانها على سطحها الآسن ، و احتشدت آلاف الطيور عندها خاشعة.. بعض المخضرمين يعزفون عن الإصغاء الي ، و اليافعون يجدونني حمقاء ، ابدد وقتي في تطلع شاذ.. خسارتي لجناحي القوي و ريشي جعلتني محط سخرية كل طيور السبخة.. _ما تشرق الشمس الا لتقول انها قضت ليلتنا في مكان آخر يبتهج بضوئها.. سقط صوتي على صمت السبخة دون مهد يستقبله ، و غرد البعض خفية إشارة منهم الى فقداني لبوصلة الإتجاهات ، و هي أثمن ما يملكه طائر مهاجر.. جناحاي الوقحان يحثاني على التحليق بعيدا ، و العيون التي ترمقني بإزدراء لم تتابع تنهدات الريح التي رافقت رحيلي صوب الأفق المجهول.. قبل ان يتساقط الغروب بهدوء من مخبأ الشمس كنت قد بنيت عشا بين القصب ، و استمتعت بمرأى الاف الطيور من حولي، و هي تبني لبيوضها و صغارها بيوتا لا تحصى حيث تمتد صفحة الماء بلا نهاية.. _هل ستصدقني طيور السبخة؟.. هل ستتبعني يوما نحو مسقط رأس كل طير مهاجر؟. سؤال ليس لعشي الواهن طاقة به، و أثقل من أن أحلق به مجددا نحو الساقية الضحلة.. لكن ذاكرة المكان ستحتضن حتما و بشدة آخر المشاهد لتجمعات قومي عند شفتيها قبل وداعي الأخير..
بضاعة أكان وجهك يشبه وجهه حقا؟.. أم انني بحثت عن حجة ما لأقترب؟.. الزجاج يفصل بيني و بينك ، و انت تضع تلك النظرة المواربة بين كل التناقضات الممكنة.. بحثت عن متكأ بين قسمات وجهي يمنحك المنطلق الأول لحديثك معي.. احسنت مراوغتك و انزلقت على اكثر من موضع.. هل ضحكت أنا؟.. نعم فعلت.. جاء سؤالك محايدا.. _نعم سيدتي؟ _لعلي اريد هذا الكتاب؟ امتدت يده الى الكتاب ، و امتدت يدي الى الحقيبة.. قناعك المجهز بكل انواع الدفاعات المعدة للمفاجآت لم تبد عليه الدهشة حين سألتك: _هل أنت علي؟ _بلى سيدتي _أو لا تعرفني؟ _لا يا سيدتي أصبحت على يقين انك تجيد دورك.. كدت أخرج حين سمعت صوتك:
_خذي كتابك سيدتي حملت الكتاب و انا واثقة من اني قد فشلت تماما في رسم ملامحك الحقيقية على قناع السوق..
|