الدولة العراقية لا تسمح بالمذياع !!!

حقيقة لم أتصور أن تقع بيدي وثيقة تدل على أن الحكومة العراقية لا تسمح لمواطنيها باقتناء المذياع ( الراديو ) ، ولم أقرأ أو أسمع من أحد بذلك ، ودلتني الصدفة لوحدها لهذه الحقيقة التي أوردها لكم ، أردت الكتابة عن شخصية غرائبية سبقت إقرانها وأوانها بالكثير ، السيد شهيد انتفاضة آذار الخالدة ( ضايع السيد كريم عباس الموسوي ) تولد 1 / 7 / 1910 م والمستشهد رميا بالرصاص بمقابر الحلة الجماعية يوم 23 / 3 / 1991 م ، ووجدت هويته الشخصية ومقتنياته الخاصة مع رفاته بأكبر مقبرة جماعية في العراق ، قرب معسكر ( المحاويل ) في بابل ، وتطوعت شخصيا للكتابة عن هذا الشهيد الذي أعدم رميا بالرصاص وعمره (81 ) سنة ، ومن يشاهد صورته الشخصية لا يعطيه هذا العمر الذي أفناه بحب عمله الفطري كفلاح يشار له ويستضاف من قبل دوائر الزراعة والمعاهد الزراعية ، وجدت لهذا الرجل اهتمامات لا حد لها ، وكل اهتماماته موثقة بأدلة ووثائق حكومية ، أنشاء أول حقل للدواجن بمحافظة بابل ، أنشاء أول بحيرة لتربية الأسماك في العراق ، أنشاء عبارة تربط ضفتي الفرات بقرية ( الحصين ) بطريقة هندسية وفيزيائية لا نعرف كيف توصل بعقليته البدائية ولهكذا نتائج مبهرة وناجحة ، كل ذلك سأورده بملاحق خاصة وموثقة عن هذا الرجل الكبير .
السيد ( ضايع ) وجيه منطقته ( الحصين ) التي تقع جنوب الحلة وعلى طريقها السياحي الذي يربطها مع ناحية ( المدحتية ) ، عصرا يجلس الرجال حوله ليفيدهم بمعلوماته الزراعية ، ومتابعة شؤون أفراد عشيرته من السادة آل ( أمجدي الموسوية ) ، والسيد ( ضايع ) تعلم القراءة والكتابة عند ( ملالي ) أيام زمان ، ومن يتعلم القراءة والكتابة تنفتح شهيته لمتابعة ما يدور من حوله سياسيا وثقافيا واجتماعيا ، والمذياع هو الوسيلة الشائعة أربعينات وخمسينات القرن الماضي ، ولكن الحلة الفيحاء ليس فيها محل لبيع هذه الأجهزة ، ولأنه مصر على اقتنائه لذا عزم همته وذهب الى العاصمة بغداد ليجلب هذا الساحر الذي سمع به ، وفعلا أبتاع المذياع ( الراديوا ) من محل يقع في بغداد / الكرخ لصاحبه السيد ( محمد جاسم دباس ) في 25 / 1 / 1945 م ووقع البائع والمشتري على تلك الوثيقة وأشهد أحدهم على صحة البيع ، عاد السيد ( ضايع ) فرحا بمذياعه الذي يعمل ببطارية جافة ( نضيدة ) ووضعه في مضيفه الذي هو أشبه بالمقهى الشعبية ، والرجل رحمه الله كان منفتحا على الجميع ويسمح للنسوة الجلوس خلف إزار يوضع لهن ليستمعن الى ( صندوك العجايب ) كما يستمع رجالهن وأولادهن له ، فوجئ أن أحدهم قد قال له ( سيد تره الراديو ممنوع ووصل الخبر للحكومة ونخاف عليك ) ، في اليوم الثاني ركب الى المدينة وعاد لقريته وهو يحمل معه إجازة ( اقتناء راديو ) ، والأجازة ليست من دوائر الأمن بل من دائرة البريد والبرق والهاتف برقم 365 في 1950 م .