أخيراً المخبر السري باطل

الحكومة قررت والقضاء نفّذ.. لا يهمّ من الذي قرر ومن الذي نفّذ.. المهم ان الحكومة والقضاء تراجعا عن خطأ جسيم ظل مرتكباً على مدى سنوات عدة .. هو جسيم لأنه أودى بحياة أناس بعضهم كان بريئاً تماماً.. وهو جسيم لأنه أدى الى بقاء العديد من الأبرياء في السجون والمعتقلات .. وهو جسيم لأنه تسبب في آلام ممضة لآلاف العائلات، وفي قطع أرزاق عدد غير قليل منهم.

الحكومة والقضاء أعلنا أمس الأول انه تقرر "إيقاف أوامر القبض المبنية على إفادات المخبر السري"، بحسب ما قاله في مؤتمر صحفي نائب رئيس الوزراء حسين الشهرستاني الذي يترأس اللجنة الوزارية المكلفة النظر في مطالب المتظاهرين في المحافظات الغربية.

هذا القرار يمثل اعترافاً ضمنياً بان اعتماد إفادات المخبر السري كان أمراً خاطئاً وباطلاً، والا ما كانت الحكومة والقضاء قد توافقا على العدول عنه. ويترتب على هذا الاعتراف بالخطأ التعويض مادياً ومعنوياً للضحايا وعائلاتهم .. الذين أعدموا، والذي سجنوا، والذين اعتقلوا، ومن تحصيل الحاصل القول أيضاً: والذين تعرضوا للتعذيب، فالثابت ان الذين ألقي القبض عليهم اعتماداً بإفادة من المخبرين السريين تعرضوا لتعذيب وحشي، ومات بعضهم من جراء المعاملة القاسية من قبل المحققين.

كيف ستعوض الحكومة والقضاء عن الضحايا من معدومين ومسجونين ومعتقلين وعن المتضررين من عائلات الضحايا؟ وبماذا ستعوض الحكومة والقضاء؟

معنوياً لا معنى لأي تعويض إن لم يكن في صيغة اعتذار رسمي وعلني، فبهذا فقط ستكون هناك ضمانة بأن كابوس المخبر السري قد انتهى بالفعل. اما التعويض المادي فكل أموال الدنيا لن تعيد الحياة إلى واحد فقط ممن أعدموا أو ماتوا تحت التعذيب ظلماً وعدواناً، وكل أموال الدنيا لا تعوض ابنة أو ابناً عن الحرمان من والدهما او والدتهما أو زوجة عن فقدان زوجها.. وكذا الحال بالنسبة للأخت والأخ، والصديقة والصديق، والحبيبة والحبيب.

الأخذ بافادة المخبر السري لطالما تعرّض للنقد والتنديد، بوصفه إجراءً يفتقد العدل والانصاف، لكن الحكومة والقضاء ركبا رأسيهما وأصرّا على اعتماد هذه الممارسة التي لا مثيل لها إلا في دول ابتليت بالانظمة الدكتاتورية المتوحشة ومنها نظام صدام الذي عارضناه، وما كان للنظام الذي خلفه أن يقتفي آثار أقدامه.

لكن تقليد المخبر السري ليس هو الوحيد الذي استورده نظامنا الحالي من نظام صدام. ثمة الكثير من الممارسات والسياسات والقوانين النافذة الان هي نفسها التي كان يستند اليها النظام السابق، وبخاصة في ما يتعلق بالحريات والحقوق. النظام السابق كان منسجماً مع نفسه في قوانينه وقراراته وممارساته .. هو لم يقل انه نظام ديمقراطي أو يسعى لإقامة نظام كهذا. كان يقرّ ويعترف على رؤوس الاشهاد بانه نظام شمولي، بخلاف نظامنا الحالي الذي يلهج مسؤولوه بمفردات الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان أكثر مما يرتلون آيات من القرآن.

العودة عن خطأ المخبر السري لا تكفي.. مطلوب إعادة نظر شاملة وجذرية في القوانين والممارسات النافذة ليصبح نظامنا منسجماً مع شعاراته ودستوره المنتهكة مبادئُه وأحكامه على نحو مريع.