تعكير المياه

يتبارى سياسيون في رسم خارطة مجلس النواب الاتحادي والحكومة التي تنبثق عنه، منطلقين من “مشاعر” شخصية، ليس الإلتزام العقائدي جزءاً منها إلا ما ندر!؟
وهذه الأجواء لا تتفق مع أي حرص على ابعاد مفوضية الإنتخابات عن الضغوط على استقلاليتها، فالمفترض أن عملها اقرب ما يكون إلى أداء القضاء في عدم تحويله إلى موضوع مناقشات، والاحتكام إلى ما تسفر عنه احصاءاتها للأصوات. لكنها طالما تعرضت للضغوط التي تنجح احياناً في تخطيها، شأن القضاء الذي يواجه الضغوط ذاتها، حد أن لوائح الإتهام نسمعها احياناً من سياسيين متنفذين قبل أن يعلنها قضاة معنيون.
وفي ظل اجواء الشكوك والتصعيد الإعلامي المزمنين، وكأن الفوز باصوات الناخبين محصلة التصريحات وليس إرادات الناخبين الذين يريدون الخدمات وفرص العمل واستثمارات انتاجية وليس العيش على موازانات التشغيل النفطية. إرادة الناخبين الذين يتساءلون أين الكهرباء، وحين يقال المعرقل هو الأمن، يتساءلون ماذا حققت المصالحة التي أخذت ابعاداً واضحة بعد عام 2008، ولماذا التراجع الكبير في السلم الآهلي وتعايش المكونات؟!
إن العراقيين بسبب البيئة الجغرافية والسياسية يعيشون دوماً في الشكوك كما يقول المرحوم علي الوردي. وقد لا تكون كلها عادلة في التعامل مع الآخر، وكان سيدنا الإمام علي بن ابي طالب يكرر “رحم الله امرءاً جب عن نفسه الشبهات”، لكن المؤسف هو ان المفوضية تلقي بنفسها احياناً في الشبهات عندما تحرم “نائباً” من خوض الإنتخابات لتصريح ما، فيما تغرم نائباً آخر موثق “رشوته”الناخبين. شأن بعض الجهات القضائية التي تسكت على أطراف تنفيذية تعلن لوائح اتهامها قبلها.
وحالياً فان المفوضية وهي تفرز وتعد الأصوات حريصة على اكبر قدر من المهنية، فان تصريحات بعض المتحدثين باسم هذه القائمة المتنفذة او تلك، تسلب دور المفوضية، باتجاه لا يخدم اطمئنان المواطنين إلى عدم “فرض” إرادة الأقوياء عليها. والمؤسف هو أن الكتل المقتدرة على الدفع والتحشيد لجأت إلى خبراء في التأزيم وليس اشاعة الإطمئنان إلى مسار متراكم الإيجابيات في تجربتنا الديمقراطية.
ترى هل يملك بعض قادة القوى السياسية درجة من الوعي في عدم الخلط بين تصريحاتهم كقادة لقوائم انتخابية وبين المنابر التي يعتلونها بصفتهم سلطات لها مهام غير الخوض في معترك المنافسات؟
هذا تحدٍ كبير تدفع المفوضية ثمناً كبيراً لمواجهته لتأكيد جديتها في التزام الحيادية، ويبدو ما ردده ستالين من أن “من ليس معنا فهو ضدنا”، النهج الذي تبناه بوش الأبن، يجعل المفوضية عرضة لنيران من كل المتصيدين في المياه العكرة، التي مع الأسف تزيد من شكوك الناخبين، برغم كل المؤشرات الإيجابية التي تؤكد أن إرادة الناخبين لها زخم يصعب تغطيته بأي غربال او أي تعكير للمياه ضمن نظرية التأزيم التي يتقنها بعض الخبراء.