"ويكليكس" عبد الستار البيرقدار |
الهجوم الشديد اللهجة الذي شنّه الناطق باسم القضاء الأعلى عبد الستار البيرقدار ضد النائب صباح الساعدي، والذي لوح من خلاله بملف اشبه بملفات "ويكليكس" قال انه يتضمن جرائم اخلاقية، مضيفا إليه أمراً بإلقاء القبض صادر ضد الساعدي منذ ستة اشهر، دون ان يجيبنا ما الذي يمنع السلطة القضائية من تنفيذ امر إلقاء القبض؟ وكيف تسنى للقضاء ان يصبر على متهم كل هذه المدة؟ واذا كان الساعدي فاسدا، لماذا صمت البيرقدار كل هذه الأشهر العجاف، ومما أثار عجبي ان يدلي رجل يفترض به حارس القانون بكلمات عن جرائم أخلاقية، وان لديه ملفا موثقا لجرائم النائب الساعدي. ما صرح به البيرقدار أمس للصباح الجديد يكشف بالدليل القاطع أن جهاز الكمبيوتر الخاص به لا يزال يستخدم البرامج نفسها التي كان يستخدمها النظام السابق. لا أناقش هنا صحة ما صرح به البيرقدار من عدمها، فقط أنا أتحدث عن المنهج والطريقة التي تعامل بها مجلس القضاء الاعلى مع الشيخ الساعدي، فحملة الاعتصامات والاحتجاجات التي نادى بها البيرقدار واللافتات التي رفعت وطالبت بالقصاص من الشيخ الساعدي، كل ذلك يؤكد ان القائمين عليها بلا خيال، وأننا مازلنا نعيش عصر محاكم الثورة التي كان يقودها عواد البندر. ولنسأل فيلق الهجوم الخاص الذي تصدره السيد البيرقدار؛ أيُّهما اخطر على البلاد، الرجل النحيف صباح الساعدي الذي وقف بكل شجاعة ليكشف ملف فساد وزارة التجارة، أم السيل العارم من الفاسدين والمفسدين الذين ينتشرون في كل مفاصل الدولة دون ان يرمش للقضاء جفن لهذه الجرائم؟ لم يثبت حتى الآن أن الساعدي شكل تهديدا للأمن الوطني، باستثناء معارضاته لتسلط رئيس الوزراء - إذا كان السيد البيرقدار يعتبر هذه جريمة أخلاقية - حتى يقرر القضاة شن حملة افتراءات ضده، لكن المؤكد بالصورة والصوت أن الفاسدين الذين يتستر عليهم بعض المسؤولين، ويخاف القضاء من الاقتراب من ملفاتهم، هم من اهلك البلد وشكل ويشكل اخطر تهديد ضد أمن الوطن والمواطنين لا يقل خطورة عن تهديد الجماعات الإرهابية. أخطاء كثيرة ارتكبها مسؤولون سابقون وحاليون ولن نسمع أن البيرقدار خرج منفعلا او دعا الى اعتصام، فيما وجدنا القضاء في مصر يتخذ كل يوم موقفا شجاعا إلى جانب الشعب ويرفض ان يختبئ تحت معطف الحكومة.. فيما يستباح عندنا القضاء كل يوم ولا نجد احداً من السادة القضاة الفضلاء اعتصم او احتج او حتى رفع لافتة تقول ابعدوا القضاء عن سلطة الحكومة. من المؤلم والمحزن للغاية أن نجد القضاء يتحدث آناء الليل وأطراف النهار عن قيم العدالة وضرورة تطبيق القانون على الجميع، ثم يضعنا معه في ورطة مهنية حين يخرج الناطق باسمه ليلوح بملف أخلاقي ضد نائب جريمته انه تحدث تحت قبة البرلمان عن مخالفات قانونية، وبعيدا عن البيانات والتصريحات الملتبسة والمزدوجة التي أصدرها مجلس القضاء، فان الخطورة تكمن لو أن الساعدي لم تثبت إدانته، عندها فأن الناس لا يمكن لها بعد ذلك أن تثق بقضاء تحركه دوافع ونوازع ثأرية وسياسية، فضلا عن أن هؤلاء الناس أنفسهم يدركون جيدا خطورة ان يخضع القضاء لتأثيرات جهة سياسية معينة.. لأن الراسخ في أذهان العراقيين ان أولى بشائر الديمقراطية في العراق كانت في الإعلان عن تشكيل قضاء يقف إلى جانب الصدق والحق والعدل. وقديما قال سقراط، إن الفضيلة قانون والرذيلة مخالفة، ومن ثم فإن الإصلاح القضائي هو المقدمة الضرورية لأي تغيير نحو الأفضل في حياة الأمم والشعوب. وفي النهاية لا بد ان ننبه الى ان تصريحات البيرقدار تمثل فرصة ذهبية سانحة لكل من يريد استغلال القضاء في ضرب خصومه، حيث يمكن لمن يريد أن يقصي الآخرين بأن يلوح بملف أخلاقي مثلما لوح السيد البيرقدار وهو مطمئن إلى أنه لن يعاقب لأن القضاء أعطاه النموذج الأفضل في اسكات الخصوم وإخراسهم. وما أتعس مثل هكذا قضاء، يستخدم أساليب غير قانونية في إرهاب خصومه من خلال إهانة القوانين والضرب بها عرض الحائط، ذلك أن مفهوم القانون كما وضحه لنا البيرقدار في تصريحه امس، يتجرد من أي معنى أخلاقي، ويتأسس على قيم القنص والخطف واللاعدالة. |