بسبب عدم وجود مراكز بحثية متخصصة تغيب عن حياتنا العامة وخطط الدولة حقائق مهمة كثيرة، فعلى سبيل المثال لا أحد يعلم كم عدد الأميين في العراق اليوم، ومثل ذلك لا نعلم كم نسبة رجال المال وأصحاب المليارات، لا بل لا أحد يدلنا على نسبة الأرامل والمطلقات واليتامى ونسبة الحاجة الفعلية للسكن وللكهرباء والماء والحنطة والشعير والفاصولياء والدراجات الهوائية ومكائن الخياطة وووو. وهكذا يجد العراقي نفسه في الدولة والبيت والمؤسسة خارج الممكنات دائما لأنه ظل وسيظل أسير التكهنات والتخمين الضيق، حتى بتنا نتحدث عن مستقبلنا كما لو أننا نتحدث عن لجنة مشتريات داخل دائرة تابعة لوزارة خدمية لا تتجاوز ميزانيتها بضعة الملايين من الدنانير. وما أستنتج من جداول ونسب وأسماء بعد فرز الأصوات الأولية في عملية الانتخابات البرلمانية الأخيرة أودى بالتوقعات ورمى بكل الوقائع خارج طموحنا في التغيير بأحوال السياسة والأمن والاقتصاد وغيرها. يتحدث المعنيون بنتائج العد والفرز في البصرة عن مرشح من كتلة غير كبيرة حصد أصوات كثيرة ومبالغ فيها أيضاً وفي اكثر من مركز بأبي الخصيب خاصة، لكنهم يجمعون على أن الشخصية هذه غير معروفة، لا بل لم يسمع بها أحد من قبل، وظلت حيرتهم طي النتائج الرسمية المعلنة، مع يقينهم بعدم وجود تزوير في أي مركز انتخابي، وكانت مرشحة قد ذهبت بها الظنون قبل الانتخابات إلى الحد الذي تصورت فيه نفسها جالسة على كرسي متقدم داخل القاعة الكبيرة، من خلال الوعود الكثيرة التي سمعتها من الناخبين. لا بل من خلال جديتها في التغيير. ومثل ذلك نجد أن الولائم والدعوات والمكافآت المالية أتت اكلها عند احد المرشحين مع يقين الجميع بانه لا يستحق أن يكون مديراً لشعبة في دائرة للبلدية. عن أي انتخابات نتحدث؟ وعلى أي نتائج نتأمل صلاح حالنا؟ غالبية العراقيين الشيعة تحديداً في الوسط والجنوب نادوا بالتغيير قبل الانتخابات وطالبوا بوجوب استبدال ممثليهم في البرلمان والإتيان بأسماء جديدة، مخلصة وعفيفة وأكثر وطنية وقادرة على قيادة البلاد خارج المحاصصة والطائفية والفساد لكنهم صوتوا لذات القوائم وذات الوجوه. هل نتحدث عن عيب اجتماعي -أخلاقي ثقافي أم ماذا يحدث لنا !!. لأي وجه من وجوه التغيير نريد ان نتطلع، ونجزم أن لا خلل في نظام التصويت، ولا تزوير في النتائج، هي جني ملايين الأصابع الزرق التي ذهبت للتصويت ،وهي حقائق دامغة أتت بها عشرات الآلاف من الصناديق لا أكثر ولا أقل . أكثر من 700 مرشح في البصرة تنافسوا على 25 مقعداً فقط، لكن ناخبا واحداً بيننا لم يسأل نفسه السؤال التقليدي: ترى أكل هؤلاء يريدون لنا الخير فعلا ولمدينتهم التطوير والازدهار، اكلهم متنازلون عن رواتبهم التقاعدية، ساعون للتغيير، قادرون على انتشال المدينة من حالها هذا إلى حال أفضل، وكم عدد النواب المخلصين من بين الـ 25 الفائزين هؤلاء؟ مع يقين غالبية العراقيين الذاهبين للانتخابات بأن الفوز سيظل من نصيب كل مرشح يحمل رقم واحد في القائمة، بغض النظر عن وجوده هناك لدورتين دونما فعل جوهري له، لا بل بينهم من لم يضغط على الزر الأحمر الذي أمامه ويتكلم بكلمة واحدة خلال السنوات الثماني من وجوده على كرسيه الهزاز، في المبنى الواسع نصف الدائري. هل نعاني نحن (مرشحين وناخبين) من أزمة أخلاقية - سياسية؟ مثلما يعاني الكثير منا من أزمات اجتماعية إثر وجوده داخل البيت والمؤسسة والشارع، وهي نتائج واقعية لشعب دمرته الحروب وأنهكت قيمه الحصارات والسياسات الشاذة طوال العقود الماضية، لكننا لا نريد ان نقر بها. ولا يبدو الأمر إساءة، أبداً، قدر ما هو ممارسة في الكشف والتعرف على حقيقة نجتمع على أبعاد نتائجها عنا. يتحدث رئيس الوزراء عن وجود ألغام في الدستور العراقي ومثله يتحدث نواب سنة وكورد عن وجوب مراجعة لكثير من بنوده، والشعب يهمس في أذن بعضه عن أخطاء سياسية قام بها كبار في السلطات الثلاث، ويجمع أهل الحل والعقد على خراب كبير يجب إصلاحه، كل يلهج من مكانه لكن لا أحد يبادر ويصلح، هل أصلح السياسي سريرته لكي يلتفت لصلاحنا؟ |