لنتخذ من حياة أمير المؤمنين منهجاً للتآخي والتعايش والعفو

حينما أحسّت فاطمة بنتُ أسد (ام الامام علي) بقرب وضع حملها، توجهت الى الكعبة بمشيتها الوقورة وحجابها المستور، توجهت الى الكعبة وهي تردد بلسانها الطاهر تلك الكلمات من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، وعندما وصلت الى جدار الكعبة بركنه اليماني، قامت ورفعت يديها نحو السماء وهي تقول: ( اللَّهُمَّ إني مؤمنةٌ بك، وبما أرسلت من رسل وكتب، اللهم اني أسألك بحق هذا البيت ومن بناه إلا يسرتَ لي ولادتي ، فانشقَ جدار الكعبة ودخلت فاطمةُ بنت أسد في جوفها، وبقيت ثلاثة أيام في داخل الكعبة، وحاولت قريش ورجالها ان تفتح باب الكعبة فوجدوها لم تفتح لا بالمفاتيح ولا بالأساليب الاخرى، فعلمت قريش وقتذاك ان هنالك تدخل الهي في تلك القضية، وأيقنوا بوجود إعجاز بتلك الحادثة ، واتفقوا على ان يصبروا حتى يتبين لهم نتيجة ذلك الأمر، وانتظروا ذلك الامر، وبعد ثلاثة أيام خرجت فاطمة بنت أسد وهي تحمل طفلاً رضيعاً وهي تقول : مَن مثلي وقد كنت في ضيافة الله ثلاثة أيام آكُلُ من طعام الجنّة وُ تخدمني الملائكة .......... القصة.. المصدر( المسعودي، ابن الجوزي، ابن الصباغ المالكي، والترمذي وغيرهم كثير) .
كان ذلك الطفل هو عليٌُ بنُ أبي طالب( عليه السلام) الذي حارت العقول في حياته وفي مماته. حارت فيه العقول في ولادته وفي شهادته، في شجاعته وفي عبادته، في كرمه وفي تقواه، في حربه وفي سلمه، في شبابه وهرمه، في صباه وفي كهولته، في صحته وفي سقمه، لقد حيّر عليٌ العقول في جميع صفاته لأنها كانت خرقاً للعادة بكل ألوانه، وقد شهد بذلك اعداؤُه قبل أولياءه، شهد بمعجزاته البعيد قبل القريب...
( عليٌّ حبُّه جُنَّة، قسيمُ النّارِ والجنَّة، وصيُ المصطفى حقاً، إمامُ الإنسِ والجِنَّة) .
علي ضرب المثل الأعلى بالعلم والمعرفة، قال (عليه السلام ) : سلوني، فواللَّه لا تسألوني عن شي‏ءٍ يكون إلى يوم القيامة إلّا حدّثتكم به، وسلوني عن كتاب اللَّه، فواللَّه ما منه آية إلّا أنا أعلم بليلٍ نزلت أم بنهار، أم بسهلٍ نزلت أم بجبل‏.
وقال (عليه السلام) : سلوني قبل أن تفقدوني، فواللَّه لا تسألوني عن شي‏ءٍ مضى ولا عن شي‏ءٍ يكون إلّا أنبأتكم به‏.
عليٌ معجزة في علمه، وقد ثبت ذلك في كثير من الشواهد فضلاً عن الكلمات التي لا تزال ترنُ في أسماع الباحثين وتتناغم مع معارف العالمين وتترادف مع أقلام الكاتبين.

كتب الكثير من العلماء حول علاقة عليٌ مع القرآن، وكانت العلاقة هي علاقة تلازم لا انفصال بينهما أبداً، ومنهم من كتب علي في القرآن وقد ذكروا بأن هناك أكثر من ألف آية قرآنية نزلت في حق امير المؤمنين علي (ع) .

علي ضرب المثل الأعلى بالصبر حينما رأى تراثه نهباً يُعبث به، وذلك بعد فقد رسول الله (ص)، فقد بات القوم يتكالبون على الدنيا وحطامها، في حين كان موقفه تجاه ما جرى هو الصبر حرصاً منه لحقن دماء المسلمين، وحرصاً منه على وحدة المسلمين وحرصاً منه للحفاظ على حياة أصحابه وشيعته، وهو القائل بعد كل تلك الأحداث موقفه منها قال (ع) : فرأيت أنّ الصبر على هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذىً وفي الحلق شجىً، أرى تراثي نهبا حتّى مضى الاول لسبيله فأدلى إلى فلان بعده.( نهج البلاغة) .

فلنتخذ درساً أيها الأخوة من سيرة أمير المؤمنين يكون لنا منهاجاً لتوحيد الكلمة وغض النظر عن ما جرى من خلافات بين ساسة هذه الأمة وخصوصاً في عراق عليٍّ، عراق أمير المؤمنين، ماذا جرى لكم أيها الساسة، ويا أيها الذين تدّعون أنكم أبناء علي، وأنكم على نهج علي، فهذه سيرة عليٍّ كالشمس في رابعة النهار، لماذا لم تواضعوا الى بعضكم البعض ؟ أيها الساسة من اتباع علي : هل سُلبت منكم عقولكم ؟ اين حكمتكم ؟ أين حلمكم ؟ أهكذا يكون أبناء واتباع علي بحيث يتسارع بعضهم لتسقيط البعض الآخر؟ ليس ذلك الأمر فحسب ولكن الامر بلغ ان يفسق بعضهم البعض من على قنوات إعلامية ليكون التسقيط بمرأى من العالم أجمع، أهذا ما كان يريده عليٌ يا أبناء علي ؟ فقد بلغ في أبناء علي ان يبهت بعضهم بعضاً ويكذب بعضه على بعض، وبلغ الامر ان يعتدي بعضهم على بعض، وان هذا الحال هو حال المسلمين جميعاً، وكذلك هو الحال بالنسبة الى جميع الساسة العراقيين الذين يتصدون للعملية السياسية في العراق، فالسياسي السني يريد ان يسقط السياسي السني ويطعن به والعكس صحيح، وهكذا بالنسبة الى السياسي الكردي ، فهو يريد إسقاط أخيه الكردي لأنه ينتمي الى حزب مخالف، وهكذا بالنسبة الى بقية الأحزاب والكتل، (فكل حزب بما لديهم فرحون)، فالكل يعتقد بأنه على صواب والآخر على خطأ، وهكذا ، ونحن في كلامنا هنا نخص بالذكر اتباع عليٍّ لأنهم ينتمون الى أرقى وأنقى فكر على وجه الأرض، وهو فكر رسول الله المتجسد في فكر اهل البيت وعقيدتهم.
أليس من الأحرى بكم ان تتحدوا فيما بينكم لتكونوا حكومة قوية تبنى على أساس التقوى وذلك للنهوض بواقع الأمة المزري الذي تعيشه في ظل المشاكل المتردية التي تعاني منها الأمة، ألا تتخذوا من منهج علي وتعامله من الذين آذوه ؟ لقد بلغ بكم الامر الى ان تظهروا في الفضائيات لتسقيط بعضكم البعض، وأود ان أذكركم ببعض الأحاديث الواردة من عنترة النبي المصطفى (ص) وأختم مقالتي هذه عسى ان يتذكر ويتعظ من خلالها من يتعب ومن يتذكر....
عن ابن بكير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ابعد ما يكون العبد من الله أن يكون الرجل يواخي الرجل وهو يحفظ زلاته فيعيره بها يوماً ما(الوسائل).
عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أن يواخي الرجل على الدين فيحصي عليه زلاته ليعنفه بها يوماً ما(الوسائل).
عن إسحاق بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تذموا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عوراتهم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته، يفضحه ولو في بيته(الوسائل) .
عن سيف بن عميرة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أدنى ما يخرج به الرجل من الإيمان أن يواخي الرجل الرجل على دينه فيحصي عليه عثراته وزلاته ليعيره بها يوماً ما(الوسائل) .
ف
السؤال هو : ألستم يا ساسة البلاد قد تتبعتم ولازلتم في تتبع عورات اخوانكم وهو منهي عنكم ؟ فراجعوا أنفسكم وراجعوا تلك النصوص الواردة عن اهل البيت الطاهر.
عن زيد بن علي، عن آبائه، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: تحرم الجنة على ثلاثة: على النمام، وعلى المغتاب، وعلى مدمن الخمر(الوسائل) .
عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبيه رفعه عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: وهل يكب الناس في النار يوم القيامة إلا حصائد ألسنتهم(الوسائل ).
عن ابي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر، وأكل لحمه معصية لله، وحرمة ما له كحرمة دمه(الوسائل).