وماذا بعد الانتخابات؟

عاش العراقيون خلال السنوات العشر الماضية، وهم يتفرجون على خيول الكذب والدجل والخداع، وهي تتسابق في مضمار اسمه العراق، ليكون حصادهم قبض ريح لا أكثر، فلا الأمن متوفر ولو بحدوده الدنيا، وإنما يسوء من يوم إلى آخر، وبات الإرهابيون يهددون حتى العاصمة، يقابلهم فرسان المليشيات الذين أجهزوا على أخر أمل بالحياة الآمنة، الحرة، الكريمة، ولا الخدمات تحقق شيء منها رغم مئات المليارات التي تكدست بأيدي المسؤولين لتختفي بطريقة سحرية، لا يعرفها إلا الراسخون في اللغف والنهب المنظم، فالكهرباء على سبيل المثال لا الحصر، والتي بشرنا المبشرون بأنها ستضيء حياة العراقيين لأربع وعشرين ساعة في اليوم، بدأت تختفي لفترات طويلة، ولما يأتي الصيف بعد، وهكذا حال الماء الصالح للشرب والمجاري والسكن والصحة والتعليم....الخ.
وجيش العاطلين عن العمل وخاصة الشباب منهم، تراهم يتسكعون في الشوارع والساحات والمقاهي، وينزلق البعض منهم بفعل الحاجة إلى فخ الإرهاب والتكفير، فنخسر بذلك اعز واهم شريحة اجتماعية، يعول عليها في بناء البلد وانتشاله من الحضيض الذي هو فيه، إما الفساد بأنواعه المختلفة، وابتكاراته الجديدة، التي سجلت براءة اختراعها بأسم الكثيرين من فاقدي الضمير وخائني الأمانة فحدث عنها ولا حرج، والقائمة تطول إذا شئنا تعداد المصائب والكوارث التي تفترش حياتنا، وتنغص علينا عيشنا.
أن المشكلة التي نواجهها في هذا الظرف العصيب هي أن الجميع كان يتذمر ويشتكي، ويتصاعد منسوب الشكوى قبل الانتخابات عادة ليتحول إلى سباب وشتائم، والقسم بأغلظ الإيمان بأن لا ينتخب هؤلاء الفاشلون والفاسدون مرة أخرى، بل وصل الحال بالبعض إلى التهديد بقطع إصبعه إذا انتخب الأشخاص الذين خبرهم وذاق الأمرين على أيديهم كما تحول شعار الإصلاح والتغير إلى يافطة يرفعها القاصي والداني، ولذلك استبشر الكثير من العراقيين بأن التغيير، قادم لا محالة وان سفينة العراق ستتجه اخيرا صوب مرافيء النزاهة والكفاءة والوطنية، وان المحاصصة بأنواعها المختلفة ستقبر، وتصبح من ذكريات الماضي، لكن الذي حصل في الانتخابات الأخيرة، لم يكن بمستوى الطموح، واستمر الرهان على نفس الخيول الفاشلة، دون اعتبار لسقوطها منذ المائة متر الأولى من السباق، ودون اعتبار لعلف الطائفية الذي تتناوله قبل السباق وبعده!.
فأذا أردنا الخروج من هذه الشرنقة بأقل الخسائر والعيش كبقية شعوب العالم، بعيدا عن الإرهاب والقتل اليومي، وتوفير مستوى معقول من الخدمات الضرورية لحياة الإنسان، ومكافحة الفساد والرشوة، وتحقيق باقي الطموحات المتواضعة للشعب العراقي، علينا في المقام الأول الضغط على هؤلاء الفائزين للتخلي عن وباء المحاصصة، الطائفية - الاثنية، والتعامل مع الجميع، وكما ينص الدستور بأن العراقيين سواسية أمام القانون، بغض النظر عن قومياتهم واديانهم وطوائفهم، وإلا ستكون السنوات الأربع القادمات عجافا ايضا، ولات ساعة مندم.