موسم الانتخابات اصبح فرصة للأحزاب السياسية للتنفيس عن رغبة مضمرة لتسقيط بعضها سياسيا، وصارت الحملات الانتخابية فرصة لاستظهار مخزون هائل من الكراهية التي تبادلها السياسيون طوال اشهر وكان الخطاب الانتخابي منصبا في جزء كبير منه على تقصي مثالب المنافس ومحاولة تسقيطه وإخراجه من دائرة المنافسة والاحترام الشعبي ايضا، ما صنع اجواء من البغضاء والكراهية التي قد تصعّب من انسجام مكونات المشهد السياسي كما تصعّب من عملية تراكم الخبرات التي تحتاجها ثقافة الانتخاب، فتحولت الممارسة الانتخابية الى صراع بدوي و"فزعة" عشائرية تستخدم فيه كل الوسائل من اجل إسقاط الخصوم، وهو امر يفرغ الانتخابات من محتواها ويفقدها البعد التراكمي الذي يفيد في ترسيخ معالم التجربة العراقية، وينمي مفاهيم الاختيار على اساس قيمي وشخصي اكثر من الاختيار على اساس المصلحة الوطنية. لذا من المناسب القول ان مرحلة ما بعد الانتخابات تحتاج الى خطاب طمأنة تتبادله القوى السياسية والتأكيد على ارسال عدد من الرسائل الهامة، اولها رسالة لتعزيز ثقة المواطن بعمليته السياسية وإخراجه من دائرة الصراع وأجواء المعركة الانتخابية وجعل الناخب يشعر أن الصراع الذي كان سائدا في ايام الحملات الانتخابية هو صراع داخل التجربة وليس صراعا على التجربة، وثاني هذه الرسائل للمواطن ايضا وهي تهدف لإيجاد مناخ هادئ للتعامل مع نتائج الانتخابات مهما كانت وعدم صناعة اجواء من التشكيك الذي سيتجاوز مرحلة الخلاف على مقعد او مقعدين في البرلمان ليصل الى خلق شعور بعدم الثقة بالانتخابات وبمفوضية الانتخابات التي ارتضتها جميع الاطراف حكما بينها، لذلك ليس من المناسب توجيه التهم للمفوضية اذا لم تأت النتائج مطابقة للطموح السياسي لهذا الطرف او ذاك من اجل تعزيز ثقافة احترام نتائج الانتخابات مهما كانت، وامتلاك شجاعة الاعتراف بالخسارة، وهذا الامر مهم للناخب العراقي الذي تهيمن عليه فكرة المغالبة واستعداء الآخر والتشكيك به وتخوينه. خطاب الطمأنة يجب ان يرسل رسالة ثالثة تتضمن ما يمهد لخلق بيئة للحوار السياسي بين الفرقاء، فهناك استحقاقات على الجميع مواجهتها كيفما يكون شكل البرلمان والحكومة، فبغض النظر عن النتائج وحجوم القوى السياسية ستكون المرحلة المقبلة مرحلة مفصلية من مراحل العملية السياسية لا غنى فيها عن الحوار. الرسالة الرابعة هي للمجتمع الدولي الذي يراقب عن كثب ما يجري في العراق، ولا شك ان استمرار الدعم الدولي للعراق واحترام العالم للتجربة العراقية رهين باحترافية السياسي العراقي في التعامل مع نتائج الانتخابات وحرصه على انجاحها. اما الرسالة الخامسة فهي رسالة عكسية للدول التي لاتشعر بالحماسة للتجربة العراقية والتي تعمل على تفتيت العراق كدولة وكتجربة، فأجواء الاحتقان الذي يضعف الجميع يسمح بالمزيد من التدخل الخارجي، وظهور النخب السياسية بمظهر الحريص على انجاح التجربة الديمقراطية لن يترك خاصرة رخوة ينفذ منها الآخرون. اما الرسالة السادسة فهي للجماعات الارهابية والسائرون في فلكها، فإجراء انتخابات بهذا الحجم في الوقت الذي تخيم فيه اجواء المعركة على المشهد يعد انجازا لا ينقصه سوى خطاب الطمأنة الذي يحتاج اليه السياسيون لرص الصفوف امام العدو المشترك الذي افاد كثيرا من اجواء التناحر السياسي الذي خلفته الصراعات السياسية وأجواء الاحتقان التي رافقت الحملات الانتخابية. |