القيادة الدينية توقف أتباعها على تقصيرهم |
لائمة أهل البيت (ع) ادوار متعددة في حياة الأمة، منها ما يشمل حتى المخالفين، ومنها ما يمارسونه مع أتباعهم، كالحفاظ عليهم من الأخطار التي تحيط بهم، او تغذيتهم بالعلوم بشتى أنواعها، أو الحفاظ على عقائدهم وعدم السماح بوجود الانحرافات، او رعاية شؤونهم الخاصة، وغيرها. ومن أراد التوسع فليراجع كتاب (دور الأئمة في الحياة الإسلامية) للمرجع الشيخ اليعقوبي. ومن ضمن الأدوار التي قاموا بها (عليهم السلام ) هو إيقاف الأمة عموما وأصحابهم خصوصا على تقصيرهم، ويحسسونهم بوجوده، وبطبيعة الحال فإنهم يريدون لهم الخير بكلا الدارين، ومن الصعب أن يعلم أتباعهم بهذا التقصير لولا تشخيصهم (عليهم السلام) والإشارة اليه، لان معظم أتباعهم لا يتصور انه مقصر، او لعله لم يشخص التقصير لأنه يظن أن ما يقدمه هو غاية المطلوب، في حين أنهم (عليهم السلام) ينتظرون منهم ما هو أفضل وأرقى، بحسب ما قدم إليهم من تربية وجهد لتوعيتهم وإصلاح نفوسهم لتكون مهيأة لأداء التكاليف الواجب أداؤها، وارتفاع المستوى الإيماني وروح التضحية فيهم إلى الدرجة المطلوبة، حتى يشاركوا قيادتهم والمشروع الذي يؤمنون به. ورد عن أبي جعفر (ع) قال: قال أبي يوما ــ وعنده أصحابه ــ من منكم تطيب نفسه أن يأخذ جمرة في كفه فيمسكها حتى تطفأ؟ قال : فكاع الناس كلهم ونكلوا، فقمت وقلت : يا أبه أتأمر أن افعل؟ فقال : ليس إياك عنيت إنما أنت مني وأنا منك، بل إياهم أردت، قال : وكررها ثلاثا، ثم قال: ما أكثر الوصف واقل الفعل ا ناهل الفعل قليل ا ناهل الفعل قليل، ألا وإنا لنعرف أهل الفعل والوصف معا وما كان هذا منا تعاميا عليكم بل لنبلو أخباركم ونكتب آثاركم فقال: والله لكأنما مادت بهم الأرض حياءً مما قال حتى إني لأنظر إلى الرجل منهم يرفض عرقاً ما يرفع عينيه من الأرض فلما رأى ذلك منهم قال: رحمكم الله فما أردت الا خيرا إن الجنة درجات فدرجة أهل الفعل لا يدركها احد من أهل القول ودرجة أهل القول لا يدركها غيرهم، قال: فوالله لكأنما نشطوا من عقال. (روضة الكافي ح 289 ص 190). لاحظ الرواية تشير في بدايتها إلى إيقافهم على تقصيرهم في عدم وصولهم إلى مستوى تلبية أمر الإمام (ع)، ومن الواضح أنهم كانوا يظنون أنهم وصلوا القمة، او لعلهم لم يكونوا يدركوا أن هناك مراتب أعلى عليهم السعي الحثيث لوصول لها، كما أن من الواضح أيضا أن بعضهم كان يكثر في كلامه دون أن يفعل ما يجب عليه فعله، مع الأخذ بنظر الاعتبار بحسب الظاهر إنهم على خير، إلا أن مستوياتهم ليس عليا. كما يلحظ الأسلوب الأبوي الذي كان يتعامل به الأئمة (عليهم السلام) مع أتباعهم، يوقفونهم على مستوياتهم وهي تعد تقصيرا مع الأئمة (عليهم السلام) بدرجة من الدرجات، إلا أنهم يزرعون فيهم الأمل لنيل ما لم يحصلوا عليه سابقا، ولا يشعرونهم باليأس ولا يتركون طريقا لليأس إلى قلوبهم. اليوم نحن نعيش حالة من التقصير تجاه القيادة التي نؤمن بحجيتها علينا، والمشروع الذي تسعى لتحقيقه من خلال ثلة من المؤمنين على ارض الواقع ـــ ولا يفهم من كلامي استثناء لأحد ــ كلنا مشمول بهذا التقصير، يمكن أن تختلف درجات التقصير هذا لا يمكن إنكاره. واعتقد أن الجميع علم بطريق او بآخر أن المرجعية الرشيدة لم تكن راضية عن المستوى الذي عليه أتباعها ـــ مع إنهم الأفضل إذا قورنوا بالآخرين ــ لكن لا يكون النظر إلى الآخرين صحيحا في التقييم، بل لا بد من النظر إلى قيادتنا وحجم الوعي الذي وفرته لأتباعها. وان كان سماحة الشيخ اليعقوبي يتعامل بابوية مع أتباعه وغيرهم، إلا أننا يجب أن ننظر إلى تقصيرنا الذي لا يتلائم مع طبيعة القيادة التي لم تبخل علينا لا بالدعم المعنوي والفكري والثقافي، ولا بالدعم المادي لإنجاح المشروع. فهل سنبقى دوما نلقي اللوم على الآخر ونبرئ أنفسنا؟ هل سنبقى نخرج أنفسنا دوما من معادلة التقصير ونكون في جهة عدم التقصير؟ هذه سيرة المعصومين (عليهم السلام) أمامنا فلنطالعها، ونفهم السنن التاريخية التي مرت على أسلافنا ونعي الدرس جيدا. نحن في خطر إذا لم نستشعر مسؤوليتنا عن تقصيرنا تجاه قيادتنا ومشروعنا، ولا ينفعنا الندم وقتها. إخوتي الأعزاء ، رجال دين، وشباب رسالي، لا تعدوا كلامي تقريعا، أو توبيخا، ليتخذه البعض ذريعةً ويهرب من واقعه، حاولت أن أتحدث بصراحة قد لا يجرئ احد على قولها لأسباب عدة، لكن علينا ان نعي مسؤولياتنا ونتحمل كل التبعات مهما كانت فهي أفضل من السكوت والقبول بالأخطاء علنا نتدارك ما ارتكبناه من أخطاء. عذرا من الجميع. |