(اللوكيه) قوم لايُعدمون الوسيله , يزيحون عرقة الحياء عن الجبين ويدخلون الى عالم خدمة الكبار آمنين مطمئنين , ادواتهم البسيطه جدا من النوع السهل الممتنع فبامكان اي انسان ان يدخل معهم في ماراثون التسابق على قصاع( الكبار) وخزاناتهم والتمتع ببعض ما فوضتهم صلاحياتهم باغداقه على الاتباع ولكن ... بشرط ان تهون عليه كرامته ويتنازل عن عزة نفسه ويتقبل التابعيه بدون قيد , انهم ذيول وظِلال لاولياء النعمه لايُنتظر منهم ان يكون لهم موقف أو رأي أو حد ادنى من وجاهة فكره يطرحونها لأنهم اختاروا طوعا ان يكونوا ملك ايمان من لايرون لذواتهم الوضيعه وجودا إلا بخدمتهم , ولا تُكلفهم دخيلتهم إلا بارضائهم باي وسيله , ومن (مواهب) هؤلاء المنحطين قدرتهم على نزع الجلود ولبس غيرها بسرعة تفوق قابلية الحرباء على التلون , وهذا ما يجعلهم مشروع ولاء لكل قادم يمتطي صهوة (العلا) , قدرتهم على كبت مشاعرهم واحاسيسهم –إن كان لديهم شيئ منهما- تفوق التصور , أمكانياتهم في تغيير البوصله نحو اي تجاه تُحددها مطامعهم ورغباتهم في تحقيق ذواتهم الرخيصه , قاسمهم المشترك انهم جميعا (يتميزون) بموت المشاعر وليس في قواميسهم معنى لوخز الضمير . تعاملهم مع الزمن يختلف عن عامة البشر , فالماضي بالنسبة لهم زمن يُسدِل عليه الستار , والمستقبل مرهون بامكانياتهم على التكيف معه , والحاضر تطفل على كل مايمكنهم ان يتطفلوا عليه . من بين الذين يجلسون عند باب احد كبار زمن الانفلات رجل بز جميع (أهل الكار) بالاستحواذ على ثقة (الكبير) حتى اصبح ذراعه الايمن , هو الذي يُحدد من يدخل لمقابلته مهما صغر شأن مهمته ويمنع من يشاء عنها بالغة ما بلغت اهمية ما بجعبته , وقيل والله العالم انه يُهمش على اغلب الطلبات الرسميه التي تُقدِم لولي النعمه , وقيل انه يمتلك من اساليب (طرد المراجعين) مالا يتمكنه سواه , ويتندر العديد من العاملين معه بموقفه مع احد المواطنين الذي جاء شاكيا من (المولده) فرده قائلا ان المولدات من اختصاص المستشفيات وعليه ان يبحث عن المستشفى المسؤول عن المولده التي قدم الشكوى بشأنها ومراجعة مديرها لحسم قضيته !!. هذا التابع يُردد على مسامع الاستاذ لازمة مميزه لمباركة كل ما يتخذه من قرارات وكل ما يقوله من كلمات , اما لازمته فهي : (اي والله استاد لو هيجي لو ماتنراد) , ويبدو انه لاحظ انها وقعت موقعا حسنا من مسامع المسؤول فاستحسن تكرارها له . في صبيحة يوم دوام رسمي جاء بعد عطلة استمرت اكثر من اسبوع تقاطر عدد كبير من المراجعين بعضهم من تقدم بطلبات مكتوبه والاخر يرغبب بمقابلة (الكبير) لشؤون لايرون لها حلا بالهوامش , وأمام هذا الزخم غير الاعتيادي قرر (اللوكي) ان يستخدم كل ما بجعبته من حِيًل ليصرف اكبر عدد منهم , دخل على المكتب رجل تبدو عليه سيماء الوقار والهدوء طالبا المقابله , استغرب صاحبنا الاسلوب الهاديئ الرصين والنبره الواثقه الهادءه لهذا (المراجع) لانه يتكلم كالكبار لكنه يرتدي بنطلون (الكاوبوي) والقميص , فرده بحذر معتذرا بكثرة مشاغل الاستاذ وعدم مقابلة أحد لحين انتهاء ما تحت يده , ووافق الرجل على الانتظار واختار لنفسه مقعدا فارغا , وبعد ان تمكن الموهوب من صرف اكثر عدد من المراجعين نهض الضيف واخرج بطاقة صغيره من جيبه وناولها له قائلا أرجوك تقدمها للاستاذ . دخل على المكتب قدم البطاقه , تعرف الرجل على رفيق غربته فاوعز بالسماح له بالدخول باسرع وقت وهو يخرج من خلف مكتبه قاصدا استقباله عند الباب , عانقه وامسك بيده وجلسا متقابلين بعد ان ترك المسؤول مقعده خلف المكتب , التفت نحو (اللوكي) مُعرفا :انه (فلان) عشت معه اكثر سنوات الغربه , رد : (واضح استاد لو هيجي الصحبه لو ما تنراد) وطلب منه ترتيب الوضع بما يليق بالوافد الكريم , خرج الرجل من المكتب وهو يتصور ان هذا اخر يوم في خدمته مع الكبير لانه لم يُحسِن التصرف مع ضيفه المهم , وبعد غياب قصير عاد للمكتب ووجد الرجل الوافد يتحدث بلهجة عتب حاد مع الكبير والاستاذ يطرق ببصره نحو الارض , نهض الضيف متوجها نحو الباب وهو يردد , ماذا اصلحتم من مفاسد من سبقوكم ... لعنكم الله , هم الاستاذ بالنهوض محاولا ان يثنيه عن عزمه على المغادره , لكنه كان يردد: الغربه افضل الف مره من وطن انتم فيه صناع القرار , عاد الاستاذ ليجلس على كرسيه مرددا : (دولي طز بيك) ... تنفس (اللوكي) الصعداء بعد ان عرف ان مقامه محفوظ , وقال : (ايه والله استاد طز بيه لو هيجي لو ما تنراد)
|