متى نراهم زبّالين ونزّاحين؟

 

هناك عقوبة شائعة في أوربا لا يعرفها العالم العربي وهي تقديم خدمة المنفعة العامة أو خدمة المجتمع تنفيذاً لحكم قضائي بجنحة أو مخالفة قانونية قوية تسيء الى المجتمع الذي يعيش فيه الانسان المعاقب فتأتي العقوبة كأن يعمل كنّاساً في مجمع تجاري أو ماسحاً لأرضيات المراحيض العامة أو سوى ذلك من الأعمال التي لم يكن يحلم أنه سيزاولها يوماً.
هذه العقوبات تشمل الصغير والكبير ،الوزير والغفير ، وشملت مؤخراً رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو برلسكوني المدان بالتهرب الضريبي والذي وصل الى بلدة صغيرة فيها مشفى لمرضى الزهايمر ليقوم بخدمتهم على مدى سنة كاملة يرعى طلباتهم ويأخذ بأيديهم اذا أرادوا الذهاب الى المرحاض أو التنزه بحديقة المشفى وسيقوم بمسح أفواههم حين يأكلون وترتجف أصابعهم فتنسفح الشوربة على ملابسهم أيضاً.
العقوبة قد تكون للإنسان العادي تأديباً لكنها للزعيم الذي لا ينفع معه أي تأديب إنما هي إشهار بسقوطه السياسي.
برلسكوني البالغ سبعاً وسبعين سنة عنيد سياسياً ولو قيض له أن يعود لترشح لفترة رئاسية أخرى ويوجد الكثير من أمثاله في بلداننا، لكن لكل شيء نهاية ولابد أن يكون في المجتمعات مهما إنفلتت أمورها ضوابط رادعة ومنها القضاء العادل.
طالما كان الإنسان العربي المقهور الذي أذلته السجون والمعتقلات والإغتيالات والمفخخات والفساد يحلم بأن لا يتم قتل زعيم أو اغتياله أو اخراجه عنوةً أو باللين من الحكم ، وأن يراهم زبّالين وكنّاسين ونزّاحين مع احترامي لكل المهن. ربما هناك من يقول أن تلك المهن هي تشريف لا تستحقه زعامات شرّعت للفساد والقتل وتفسخ المجتمعات ألف باب وباباً.
لكنه يبقى حلماً أن يراهم المرء زبالين يجمعون القمامة كل صباح من البيوت التي غزوها سنوات طويلة بمصائبهم. لعله في العراق حلم جيل مكسور.