معايير ديمقراطية

من التصريحات المهمة ما ادلى به السيدان إياد علاوي زعيم القائمة العراقية وبيان جبر الزبيدي رئيس قائمة المواطن. ملخصها ضرورة الإحتكام إلى نتائج الإنتخابات والقبول بمرشح الأغلبية.
تنم هذه التصريحات عن درجة عالية من المسؤولية إزاء مستقبل العراق وترسيخ مؤسساته الديمقراطية، ومما يزيد من قيمتها تأكيد ضرورة مراعاة خصوصية الوضع العراقي في وضع برنامج حكومي يعبر عن طموحات كل العراقيين، وضرورة الوعي باصول العملية الديمقراطية، فمن يقبل ويعوَّل على ترشيح الكتلة النيابية الأكبر عليه التشاور معها في القضايا الإستراتيجية، وترك القضايا التنفيذية لمجلس الوزراء وعدم الانتقاص من صلاحياته. والوعي بأن حجم الكتلة الشيعية لا يجوز ان يكون مبرراً لمصادرة طموحات وإرادة المكونات الأخرى، وهذا ما ينبغي تولي برنامج الحكومة له، وضرورة التشاور مع القوى السياسية جميعاً، وهو ما معمول به في العالم.
وكان الزبيدي موفقاً في قوله بأنه وكتلته “سيكونون اول المهنئين لمن يحصل على اصوات اغلبية البرلمان”، مع اشتراطه “ضرورة الوعي بأن الأغلبية النيابية لا تعني باي حال من الأحوال “تجاهل إرادة الـ “نصف – واحد في البرلمان”، فمثل هذا سبب ما نعيشه من ازمات.”
من جانبه كان علاوي مرناً في تجنبه الحديث عن “فيتو” بشأن الولاية الثالثة، لكنه كان قريباً من التصورات في أنه “في الديمقراطيات عادة تكون ولايتان كافية.”
وهكذا فان زعيمي كتلتين مهمتين ابديا درجة من المرونة المنسجمة مع معايير العمل السياسي أولاً، وحرصهما على عدم تجاهل وقائع الأرض واحتمالات تحالفات اللحظة الأخيرة ثانيا.
وبقدر ما يسجل هذان الزعيمان موقفاً بناء، فان هناك بالمقابل تصريحات تصر على “الحظر النهائي” بشأن من يشكل الحكومة، وبقدر ما تبدو الكثير من القضايا التي يطرحونها موضوعية: أزمة الخدمات تسبقها التداعيات الأمنية الخطيرة نتيجة عدم التزام مبداً المساءلة العادلة في ظل اجواء التسامح الوطني للفصل بين تداخل معارضة السلطة وبين اعداء النظام من التكفيريين والمسلحين القادمين من الخارج، بجانب توتير العلاقة مع الإقليم بفعل المشاحنات التلفزيونية، ونهج التلويح بـ”الملفات” الذي يشكل خرقاً لأبسط مفاهيم عمل الدولة، بالأخص عدم اخفاء المعلومات عن العدالة، والتشهير بالخصوم بدون اية ادلة حد وصمهم بالإرهابيين والفاسدين، والإنزلاق احياناً إلى هدم ما بني من علاقات العراق مع الجوار، بالأخص خلال فترة ممارسة رئيس الجمهورية السيد جلال طالباني لعلاقاته الشخصية لإخراج العراق من حالة التشنج مع بعض الجوار، لكن هذه كلها لا ينبغي ان تكون “حضرا نهائياً” على اي طموحات سياسية، لكن يمكن لها ان تكون من الطروحات التي تقنع الشعب ونوابه بعدم التصويت لولاية هذا السياسي أو ذاك.
وحبذا لو اتسمت كل التصريحات السياسية بما طرحه السيدان علاوي والزبيدي، والكف عن تصور اي طرف بأنه الحاكم الناهي في رسم الحكومة المقبلة لتخطي المزيد من التأزيم الخطير.