سخر بعضنا من احد مرشحي الانتخابات عندما اقتصر في دعايته الانتخابية على سائقي التكسي، ووضع سيارة صفراء اللون في لوحاته الإعلانية معتبرا سائقي التكسي جمهوره المحتمل. واعدا اياهم بتحسين اوضاعهم واستبدال سيارات "السايبا" التي يستقلونها بسيارات "اوباما" اميركية الصنع. وفي رأيي ان هذا الرجل على الاقل يعرف ما يريد ويعرف حدود قدراته، فتصميم البرامج الانتخابية ليس عبثا ولامجرد تسويق شعارات فارغة من المعنى، لأن التجربة مع الدورتين التشريعيتين السابقتين افرزتا معادلة غريبة، فالأحزاب قبل الانتخابات تطرح برامج مبالغا فيها، رغبة منها في التغلب على المنافسين الذين يطرحون بدورهم برامج طوباوية اخرى. وحينما لا يجري تطبيق تلك البرامج ويشعر المواطن بأنه خدع يقال له: "نحن لا نحمل عصا موسى". وهنا تأتي المفارقة، فالمرشح للبرلمان هنا لا يعي مساحة عمله لذلك يطلق عشرات الوعود التي قد لا تكون من اختصاص البرلمان المنحصر في التشريع والرقابة، فبعض الوعود له علاقة بالسلطة القضائية وبعضها مرتبط بالسلطة التنفيذية وبعضها لا يدرك الوضع العام للبلاد ولا قدراتها المالية او ستراتيجياتها ولا تلحظ آليات صناعة القوانين في المؤسسة التشريعية. لذلك يطلق هؤلاء المرشحون وعودا بتوفير فرص العمل وتسليح الجيش وتعديل الدستور وبناء المساكن وتوزيع الاراضي وتزويج الشباب والفوز بكأس آسيا بكرة القدم، على الرغم من ان المواطن العراقي اصبح واعيا لدرجة انه يدرك ان اغلب البرامج المطروحة اليوم تحتاج لتطبيقها الى ألف موسى مزود بمليون عصا!. في الديمقراطيات المتقدمة الناخبون هم الذين يختارون البرامج الانتخابية للمرشحين بل هم الذين يحددون السياسات العامة للبلاد، فالتصويت للمرشح يكون بمقدار انسجام المرشح مع تطلعات الناخب واستجابته لحاجات جمهور معين من اجل ان يتبناها في برنامجه الانتخابي، فالحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة الاميركية لا يركز كثيرا على السياسية الخارجية بقدر منافسه الحزب الجمهوري لأن الاخير يمثل مجموعة من طبقات رجال الاعمال والمتمولين وأرباب الصناعة بينما الاول يركز على مصالح الطبقات الاضعف والأقليات والمهاجرين ولهذه الشرائح احتياجاتها التي تجبر الاحزاب عل التناغم معها وتبنيها. اما لدينا فالبرامج تكتب من دون اولويات ومن دون تعريضها لاختبار التطابق مع حاجة الجمهور، بل تفرض عليه فرضا ويطلب منه تأييدها والتصويت لها، وبعض تلك البرامج تحفل بشحنة شعاراتية زائفة لا تتطابق مع الطبيعة البشرية الميالة لترتيب اولوياتها وفق "هرم ماسلو" للحاجات، بينما يصر البعض على ترتيب اولوياتها وفق وصفة بول بريمر للمحاصصة. المشكلة ان الجميع ينسى الحديث عن البرنامج الانتخابي بمجرد انتهاء الانتخابات، فالسياسي ينشغل في لعبة جر الحبل السياسية مع خصومه السياسيين، وتكون عناوين برنامجه الانتخابي آخر ما يفكر به بعد ظهور اولويات جديدة يفرضها مناخ البحث عن صفقة سياسية محتملة، والمواطن يعود الى هوايته الأزلية بجلد ذاته وذات الوطن متناسيا ان التغيير كان بيده. هذه المشكلة برأيي تعود الى ان العمل السياسي في العراق لم ينضج للدرجة الكافية التي تنتج لنا سياسيين محترفين قادرين على تصنيف حاجات الناس وإيجاد الطرق الواقعية الجادة لتلبيتها، فأغلبنا لا يزال اسيرا لهيمنة الشعار والشخصانية والعائلة والانتماء، ولا يزال يتعامل مع الانتخابات على انها فزعة عشائرية، وليست مفتاحا لمشروع وطن..
|