لماذا هذا الخروف بالذات؟ |
فوز مثال الآلوسي بالنسبة لي، خبر مؤلم حقاً، ليس فقط لإنه يمثل النقيض التام لكل قيمي وعواطفي الإنسانية، بل لخطورته الشديدة. رمز إسرائيل العلني في العراق سيجعل العراق أكثر بعداً عني وعن كل الإنسانية التي ترى في إسرائيل الإنتهاك الأكثر صراحة لها ولمثلها العليا المنتهكة أساساً. ويتحمل أعضاء التيار المدني الديمقراطي، إضافة إلى ناخبي مثال، مسؤالية كبرى عن ذلك. صحيح أنه من المتوقع أن يكون الأمر قد تم بدعم كبير من التزوير، فمثال الآلوسي لم تزدد "شعبيته" قيد شعرة منذ فشله في الإنتخابات السابقة، بل تنحى نحو الظل بعد أن فشل زيارته في تسويق إسرائيل في العراق، وبقيت الأسئلة تلاحقه حيثما ذهب، ولم يظهر في الإعلام كما في السابق حيث كانت الفضائيات التي أسستها أميركا وإسرائيل تتسابق إلى مقابلاته، إلا في الأسابيع الأخيرة التي سبقت الإنتخابات والتي لا يمكن أن تكفي لتغيير رأي الناس كما يعرف العارفون بالإعلام الإنتخابي، خاصة في الجو الشديد الإستقطاب الذي جرت الإنتخابات فيه والذي يجعل الخطابات والأهداف والبرامج أقل تاثيراً في الخيار. إبتزاز المواطن المشكلة هي في ندرة البدائل الشريفة. الذي حدث أن المواطن المنهك الباحث عن بصيص أمل أينما كان، قد تم ابتزازه من قبل الجميع حتى من قبل مثقفيه الذين شكلوا التحالف المدني وادعوا أنهم جاءوا من أجل انقاذه، فوضعوه أمام المعادلة الصعبة التالية: "سنخلصك من الطائفيين والفاسدين، بشرط قبولك رمز إسرائيل"! ولا يستبعد أن يقدم الإعلام الأمريكي في العراق هذا الرمز في الأيام القادمة بتمثيلية "بطولية" تصمم خصيصاً له لرفع صيته وتعويضه عن سمعته وشرفه الذان ضحى بهما من أجل مهمته في إدخال إسرائيل علناً إلى "بلاده". لماذا الإلحاح على هذا الخروف؟ كتب لي قارئ متسائلاً: لماذا الإلحاح على مثال الآلوسي؟ اليس الكثير من الساسة العراقيين عملاء لأميركا وإسرائيل ولا شك أن البعض منهم زار إسرائيل، إن لم يكن علناً فبالسر؟ ثم قال أن مقالاتي تذكره بنكتة قديمة، ألخصها بتصرف كالآتي: والقارئ يسأل: لماذا كل الضرب بمثال؟ هل هو الخروف الوحيد في الحظيرة؟ لقد كان للزوج سبب وجيه لإنتقاء هذا "الخروف" بالذات، ولي سبب وجيه أيضاً في انتقاء مثال الآلوسي من بين عملاء إسرائيل لأسلط عليه حصة الأسد من الضوء الفاضح. خطر العميل العلني طبيعي أن جميع العملاء سريين وعلنيين، خطرين على البلاد، ولذلك فإنهم يحكمون بالإعدام عادة أو الحكم الأقسى في قوانين البلاد، ما لم تكن البلاد ضائعة وفاقدة لمقاييسها. لكن ما يتميز به النموذج الجديد "العميل العلني" هو القيمة المضافة في الأذى المتمثلة برمزه السيء. المشكلة هي أنك لن تستطيع أن تحاسب أحداً مستقبلاً إن صار عميلا لها أو لأية دولة أخرى. وهل يحق لك أن تقلق من دولة اكثر من إسرائيل أو أن تعامل تابعيها بأقسى مما تعامل ذيول إسرائيل؟ هل هناك دولة واحدة في العالم تجاهر بعدوانيتها عليك وعلى كل جيرانها أكثر من دولة مازالت ترى حدودها تمتد من النيل إلى الفرات؟ فكيف سيكون لك الحق إن امسكت عميلاً لتركيا أو إيران أو السعودية أو اميركا؟ إنك بتركك العميل العلني لإسرائيل طليقاً، إنما تعلن بلادك ساحة آمنة لكل العملاء والمتآمرين من جميع أنحاء العالم، وتعلن ضمنياً تنازلك عن حقك في محاسبتهم. فهناك رمز يجلس في برلمانك، ومن الصعب أن تحاسب حكومة مواطناً على جريمة ما، يجلس رمزها العلني في البرلمان! إنه نوع من "الحصانة" التي تحاول أميركا وإسرائيل تأمينها لجماعتها، تماماً كما سعت لحصانة جنودها من المحاسبة على الجرائم التي يرتكبونها، فهي تعلم مسبقاً انها ستطلب منهم ارتكاب جرائم، وتريد أن تطمئنهم أنهم سيفلتون من العقاب. الحكومة ستضطر- حتى إن لم تكن تريد- أن تقبل إسرائيل وأخلاقيات إسرائيل وإهانات إسرائيل لشعبها ولدينها ولقومها. وستتزايد في البلاد مع الوقت، قوة لوبي المجندين الإسرائيليين المنظمين أعلى تنظيم، والذين تنسق أعمالهم من السفارة الأمريكية مباشرة، وسيتمكن من إزاحة أي شخص يفكر في وقفه عند حدود ما. وإن كان لدينا اليوم عدد من "زوار إسرائيل" السريين الذين يخشون التصريح بحقيقتهم خوف الفضيحة وربما العقاب، فإننا عندما نقبل مثال كأمر واقع وطبيعي، فسيتحول هؤلاء إلى عصابة كبيرة تعلن عن نفسها صراحة وتمتلك الإعلام والدعم الأمريكي ولا تخشى أحداً. بل أن ما تدل عليه كل تجارب الدول الأخرى التي مرت بطريق "الصداقة" هذا، أن من سوف يخشى التصريح بموقفه، هم الذين يرون في إسرائيل دولة عنصرية عدوانية خطرة يجب إبقائها ما أمكن، بعيدة عن بيتك. نحن الذين ندرك معنى إسرائيل، من سيشعر غداً أن عليه أن يتحسب ويتحذر من ان يقول كلمة ضدها، مهما ارتكبت من جرائم ضد شعبه أو أي شعب آخر، ومهما كان وجودها يدوس على أخلاقه وضميره وكرامته الإنسانية. ربما تساءلت يوماً عزيزي القارئ: لماذا فضحت إسرائيل عميلها بترتيب زيارة علنية؟ أما كان المنطق يدعوا أن تكون زيارته سرية ليتمكن من خدمتها دون فضيحة؟ السر في تلك الأحجية هو ما ذكرناه أعلاه من منافع إضافية تأمل أن تجنيها من عميل علني يقوم بتعويد الناس على قبول التعامل معها. فإسرائيل تملك ما يكفي من العملاء السريين الذين يسعون لتسلم المراكز الحيوية لقيادة البلاد كما تريد، في كردستان وفي بغداد، في مجلس النواب وربما في كل مؤسسة مهمة، وقد تم إنشاء مراكز تدريب وتعليم سوف تخرج اعداداً كبيرة من هؤلاء مخلوطة بآخرين ابرياء ليتمكنوا من الإختفاء بينهم. لدى إسرائيل إذن ما يكفي من العملاء السريين، ولذلك لا غرابة أن تستعمل أحد هؤلاء العملاء كبالون اختبار لفحص إمكانية تنفيذ خطوة أخرى - الإختراق العلني للبلاد. طبيعي أنه مطلوب ممن اختارته إسرائيل لتلك المهمة أن يكون مستعداً للمخاطرة بحياته والتضحية بعلاقاته وبشرفه وسمعته وسمعة أهله أمام الناس. ولا يوجد بلد نقي من مثل تلك النماذج، وقد وجدت في هذا الأرعن الذي تدور أحاديث عن علاقة سابقة له بها، النموذج الأنسب لتلك المهمة. القبول تراجع أخلاقي خطير إن السماح بدخول عملاء إسرائيل العلنيين إلى المجتمع وتراجع المجتمع عن اعتراضاته على قبولهم ومعاملتهم كأناس طبيعيين، تراجع أخلاقي خطير وجرح في الكرامة لن يمكن معالجته أبداً في المستقبل. من استمع إلى شعارات المتظاهرين المصريين خاصة في بداية ثورتهم، فسيجد أن موقف حكومة حسني مبارك من إسرائيل أشعرتهم بالذل العميق والمهانة لزمن طويل، وأن لا امنية لهم أحلى من إزالة ذلك الشعور ورفع الرأس بكرامة. ومن المؤكد أن ليس الأمر متعلق بفلسطين كما يسعى البعض لتأكيده، بل بجميع البلدان. فأخلاقية إسرائيل مبنية على تجاهل الأخلاق عموماً كما بين ذلك بوضوح تام بعض المثقفين الأوروبيين الذين يدعون مواطنيهم إلى عدم انتخاب أصدقاء إسرائيل لبرلمان أوروبا، وكما أوضحت في مقالة سابقة وأشرت إلى فلم بهذا الشأن. ربما يقول قائل: وهل أن مثال هو من سيحطم الأخلاق في العراق؟ هل باقي السياسيين أكثر أخلاقية منه؟ وهل بقيت في المجتمع العراقي أخلاق ليحرص المرء عليها ولتكون إسرائيل خطراً عليها؟ وأنا أقر بأن هناك انهيارا أخلاقياً بدأه صدام واستمر به الأمريكان وسعوا لتثبيته منذ الأيام الأولى لاجتياحهم العراق، وتشجيعهم الناس على السرقة علناً ونقل صور ذلك بفضائياتهم، لتكون خلقاً عاماً: أنظروا، الجميع يسرقون، فلماذا تطلعون أنتم من المولد بلا حمّص؟ كذلك تمت حماية اللصوص الكبار وإرسالهم إلى أوكار العصابة في أميركا أو كردستان. فالأخلاق ليست بخير في العراق، لكن الرمز يبقى هو الأمل الأخير لهذا المجتمع أن ينهض يوماً. أخطار شديدة أخرى لكن خطر إدخال إسرائيل إلى البلاد لا يتقصر على تحطيم المنظومة الأخلاقية لشعبها، على أهميته الكبرى. لقد راقبت تأثيرات إسرائيل على هولندا وعلى مصر، وتابعت سلطتها في أميركا وجيكيا وجورجيا، ورأيت شعوب هذه الدول تفقد سلطتها على سياسييها شيئاً فشيئاً، حتى من كانت بلاده ديمقراطية. فإسرائيل إن دخلت بلداً أستولت على السلطة فيه، فلا يشعر مواطنوه إلا وهم مواطنون من الدرجة الثانية، لا يجرؤون على فتح فمهم حتى بالشكوى! وهناك أمثلة لا تحصى عن مثقفين غربيين شرفاء وضعوا أنفسهم في الموقع الخطير والمكلف، موقع التحذير من إسرائيل وفضحها، فنالهم التنكيل في بلاد الديمقراطية وحرية الرأي. لا ديمقراطية ولا حرية رأي في بلاد لإسرائيل فيها موضع قدم، عندما يتعلق الأمر بنقد إسرائيل، ومن يريد أن يمارس تلك الحرية فعليه ان يكون مستعداً لدفع الثمن مهما كان مركزه وتاريخه، إن قرر اللوبي أن يتعامل معه بجدية. هذه هي الأخلاقية الحالية في بلدان الغرب والشرق الأوروبي، بلا استثناء تقريباً، وليس هناك مبرر للإعتقاد أنها لن تكون كذلك في العراق إن أتيح لها. نعم لقد تعرض اليهود العراقيون للأذى، ولكن من من العراقيين لم يتعرض في نهاية الأمر، لأذى أكبر مما تعرضوا له، ووفق أجندات وتخطيط ذات العصابات الصهيونية التي آذت اليهود لتجبرهم على الهجرة؟ فلماذا إذن حملة التباكي المتزايدة على تهجير اليهود وكأنها الكارثة الوحيدة التي حدثت في العراق، وكأنهم القوم الوحيدون الذين نالوا الظلم في تاريخه؟ إن ما يراد من هذه الحملات الإعلامية والفنية عن يهود العراق وحقوقهم وتاريخهم وشخصياتهم، ليست سوى ابتزاز يراد منه خلق الجو الشعبي المناسب لاختراق العراق بعملاء الموساد الذين سيأتي عشرة منهم إلى البلد مقابل كل يهودي بريء يشتاق حقاً العودة إلى وطنه، او ما تبقى من وطنه! عندها فقط، وبعد فوات الأوان، سيعرف العراقيون أن إسرائيل ليست مجموعة عراقيين ينشدون المقامات! لهذه الأسباب فإني ألححت وألح بالضرب على هذا "الخروف" بالذات لعل الناس تنتبه لما يريده لبلدها قبل فوات الأوان. إنه ليس خروفاً هذا الذي يسعى لفرض نفسه على أهل البيت، بل ذئب خطير، وأخطر الذئاب إن دخل البيت، من يلبس منها فروة خروف! – "الصداقة" مع إسرائيل خرافة مشبوهة المقاصد، فهذه الكلمة لا توجد في قاموس إسرائيل ولا أعرف أي بلد نجح حتى اليوم في إقامة علاقة مع إسرائيل يمكن ان تسمى "صداقة"، حتى أميركا نفسها. هل استطاعت أية دولة أن تضغط على إسرائيل وتجبرها على احترام القانون الدولي؟ هل فشل مجلس الأمن في فرض قراراته على دولة بقدر ما فشل أمام إسرائيل؟ فلماذا تعتقدون أنكم ستنجحون في إلزامها بقوانين بلدكم واحترام سيادتكم إن أدخلتموها بيتكم الذي هو أهش من بيت القش؟ وبالنسبة للدول العربية فإن ذلك يعني امتصاص نفطها وتحويلها إلى مراكز لتفريخ الإرهابيين، فكما هو واضح فإن جميع الإرهابيون يخرجون من البلدان التي اخترقتها إسرائيل وأميركا دون غيرها. وإسرائيل وأميركا التي لا تكاد تميز سياستها عنها، لا يمكن أن تنظرا إلى العراق إلا بهذا الطموح وبخنقه وامتصاص دمه حتى ينشف تماماً، دون السماح له ببناء طابوقة واحدة، والعملية جارية وسريعة وواضحة لمن له عينان، وبمساعدة أمثال مثال وعلاوي، وكل ساقط وجدوه في الشعب، ومنذ عام 2003. لقد تسبب هؤلاء الساقطون وهم يعملون في السر، بأذى هائل للعراق، وهم يسعون اليوم إلى نقل "نظالهم السري" إلى "نظال علني"، ويفرضون سيادتهم الصريحة على البلد وأهله. لقد ارسلوا "خرافهم" الأولى لتستطلع الوضع وترى إن كان الشعب قد طبخ بما يكفي لتخليه عن الكرامة وقبول إسرائيل وأذيالها في بيته "ضيوفاً" ثم سادة عليه وعلى أبنائه وأحفاده، فما نحن فاعلون مع هذه الخراف؟ |