أغلبية الانجاز وتوافقية الاعاقة!

لا أرى غرابة في مشهد ما بعد الانتخابات وتعالي أصوات بعض الكتل بدعوى التزوير ، فهذا يحدث في أغلب الدول التي تجري فيها إنتخابات . الخاسر أو الذي لا يحرز الكثير من المقاعد يتحدث عن تزوير وعدم نزاهة في العملية الانتخابية ، والرابح يدافع عن نزاهة العملية ويدعو الى التسليم برأي الناس . المشهد الحالي جاء معاكسا تماما لسلفه ، مشهد ما بعد انتخابات 2010 ، فالمتحدث عن التزوير آنذاك هو الحاصل على المقاعد الاكثر حاليا ، والذي كسب آنذاك مقاعد اكثر من غريمه ولو بفارق جزئي وكان مرتاحا لـ"نزاهة " الانتخابات السابقة ، يتحدث اليوم عن التزوير في الانتخابات الحالية لانه لم يحقق ما كان يطمح إليه . هذا المشهد يلي كل انتخابات ، ليس في العراق فحسب ، الا ان مرور الزمن كفيل بتسليم كل الاطراف بالنتائج وبدء العمل والتحضير للانتخابات القادمة .
قليلة هي الكتل التي عملت على تغيير رأي الجمهور بها وبالتالي سعت وحققت إرتفاعا في عدد الاصوات التي دخلت الصناديق لمصلحتها . غاب عن أغلبها ان وعي الناس بدأ يتطور ، وأن أدوات ومواضيع وعناوين التأثير السابقة على قناعاتهم لم تعد تجدي . لا أحد فكر في ان تأثير عمليات تسقيط الخصم على قناعات جمهوره ، قد يكون عكسيا ، فكان أن زادت من تعصب المحازبين له ودفعت حتى شريحة المترددين الى حسم خياراتهم لمصلحته .
لكن وعي الناخبين ، رغم تطوره ، لم يصل الى مرحلة متقدمة من تغيير معايير الاختيار . ما زال يستهجن دخول المثقف والصحافي الى البرلمان . كنت أتمنى أن ينال أغلب زملائي الصحافين المرشحين حظاً أوفر من الاصوات تؤهلهم الى دخول الندوة البرلمانية ، إلا ان الناخب العربي في العراق ما زال – كما يبدو – يستكثر على الصحافي أن يكون نائباً . عكس الناخب الكردي الذي أوصل صحافيين الى برلماني الاقليم والاتحادي وبعدد كبير من الاصوات . فالزميلة سروة عبد الواحد دخلت البرلمان الاتحادي باصواتها وليس بالكوتا ، وقبلها فاز صحافي كردي بعشرات الالاف من الاصوات في إنتخابات برلمان الاقليم . في الجانب العربي من العراق يبدو ان النظرة الى الصحافي مازالت قاصرة . لا يعي الكثيرون أن الصحافي الحقيقي يكون – بحكم عمله – على إطلاع واسع على شؤون وشجون الادارة في كافة القطاعات الحكومية ، وعلى مشاكل الاداء السياسي والاداري وكذلك خارطة العلاقات بين الاطراف . مهنته تؤهله لان يكون متحدثا لبقاً ، وبرلمانيا نشيطا في اقتراح ومناقشة وسن قوانين تعالج المشاكل وإن كان صحافيا مهنيا ملتزما بالمسؤولية الاجتماعية والوطنية فانه سيبتعد عن التصريحات التوتيرية . بالتاكيد هو – كبرلماني – سيكون أكثر لياقة وكفاءة وفائدة من أغلب الذين يجري انتخابهم بعشرات الاف الاصوات وبناء على عصبية معينة ، الا ان صوتهم لا يسمع داخل البرلمان على مدى أربع سنوات . هذه الصورة تبدو غائبة عن وعي الناخب العربي العراقي الذي يرى الصحافي في مكان بعيد جدا عن البرلماني ، فيستكثر عليه الترشيح ويعاقبه بحجب الصوت عنه .وإذا كان أحد الزملاء شذّ عن المألوف وفاز فلأنه صاحب محطة تلفزيونية روجت له بلا حدود ، فضلا عن ان له نشاطات إجتماعية وإقتصادية في محافظته على مدى السنوات الماضية .
عموما ، فان أعضاء البرلمان باتوا معروفين ، يبقى التغيير الحقيقي في أدائه ، لا يتعلق بوجوهه الجديدة ، رغم أهميتها ، بقدر تعلّقه بخارطة التحالفات وفيما اذا انتقل الى نظام الاغلبية والاقلية أم ظل برلماناً لقوى تشارك كلها في السلطة ، وفي نفس الوقت يلعب أكثرها دور المعارض داخله ؟... أي يبقى برلمان إعاقة وليس إنجاز .