الحركة السياسية ودور الإمام الكاظم {ع}- الشيخ عبد الحافظ البغدادي الخزاعي

باب الحوائج جئت بابك ساعيا ....... وأنخت ما بين القبــــــاب رحاليا

وطفت التمس الدعاء بفضلكم ....... يا ســــــــيدي فيكم وجدت رجائيا

ووضعت وزري في حماك وأنني .... مــــــــــستيقن من انه يقضى ليا

يا ابن الأباة الطيـــــــبون وانتم    ....... شفــــعاء خلق الله حين يلاقيا

فاشفع لعبدك حين ينكشف الغطا ....  واحمله عني حين يعرض كتابيا

 

                اتفق المسلمون في حديثهم عن الأئمة المعصومين {ع} من ناحية الكرامات , والمنزلة والعلم أنهم يتفقون تماما , بل إن بعض المصادر الإسلامية ذكرت كرامات لبعض المعصومين أكثر مما يذكرها الأمامية عن أئمتهم ..ولكنهم اختلفوا في المواقف السياسية ..!!

       مثلا حين تتناول حياة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء {ع} وتلج لأي كتاب من كتب التاريخ , ستجد ان ذلك المصدر مشبع بفضائل الزهراء {ع} وكراماتها .. فهي أم أبيها عند جميع المسلمين , وان الله يرضى برضاها ويغضب بغضبها .. عندنا وعند غيرنا .. بل لا تجد كرامة ومنقبة لها الا وذكرت في جميع كتب القوم .. هذا ليس فيه اختلاف ... ولكن الاختلاف يكون بمواقفها السياسية ...

        والإمام أمير المؤمنين {ع}اتفق المسلمون ان له كرامات جمة لا تعد ولا تحصى ..منها قول رسول الله {ص} : (إنّ الله جلّ جلاله جعل لأخي عليّ بن أبي طالب فضائل ...لا تحصى كثرة، فمن ذكر فضيلة من فضائله مقّراً بها , غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، ومن كتب فضيلة من فضائله لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لتلك الكتابة رسم...!!  ومن أصغى إلى فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالاستماع، ومن نظر إلى كتاب في فضائل عليّ غفر الله له الذنوب التي أكتسبها بالنظر......

ثم قال{ص} : النظر إلى عليّ بن أبي طالب عبادة، وذكره عبادة، ولا يقبل الله إيمان عبد من عباده كلّهم إلاّ بولايته والبراءة من أعدائه) :مائة منقبة لأبن شاذان المنقبة المائة، الديلمي في إرشاد القلوب ج2 ص186 ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 144، المناقب للخوارزمي الحنفي ص32 ح2.

        عن جعفر بن محمّد، عن آبائه {ع} ، أنه قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):(يا عليّ، أنت أمير المؤمنين، وإمام المتقين، يا عليّ، أنت سيّد الوصيّين، ووارث علم النّبيين، وخير الصدّيقين، وأفضل السابقين. يا عليّ أنت زوج سيّدة نساء العالمين، وخليفة خير المرسلين، يا عليّ، أنت مولى المؤمنين، يا عليّ، أنت الحجة بعدي على الخلق أجمعين، أستوجب الجنّة من توّلاك واستحق النّار من عاداك....

       ومئات الأحاديث والروايات , في الصحاح الإسلامية , كلها تذكر هذه الفضائل , وهي ليس فيها اختلاف , ولكن لو وصلت القضية إلى الأمور السياسية , وقف التاريخ موقفا من علي {ع} وقدم كلام مناوئيه على كلام الله ورسوله فيه .. أي الموقف السياسي لم يتفق عليه عند المسلمين جميعا ...

وكذا موقف التاريخ من الإمامين الحسن والحسين وبقية الأئمة عليهم السلام ... كلهم تاريخان , المتفق عليه هو التاريخ العقائدي والشرعي والتكويني , ولكن التاريخ السياسي فيه وجة نظر ...

والإمام موسى بن جعفر {ع} ذاق من نفس ألكاس الذي شربه الأئمة المعصومون الذين سبقوه ..وله تاريخ عقائدي وأخر سياسي ... وقد اتفق المسلمون بمؤهلات موسى بن جعفر وعلمه وعبادته ,,, يسبقها حسبه ونسبه , ودوره في العلم ونشر الفضائل , ولكن تاريخه السياسي يبقى الفاروق في حياته , لان من يؤيد مواقف هارون ويؤيد الدولة العباسية سياسيا لا يمكن أن يؤيد موسى بن جعفر {ع} ...

والآن نمر على حياته الشريفة ومواقفه التي شرفت صفحات التاريخ ..

الرعاية الأبويـة :... عاش الإمام موسى بن جعفر {ع}  في حضن أبيه الصادق {ع} عاش معه 20 سنة فنهل من مدرسة أبيه العلميّة والفقهيَّة،  امتاز في صغره على سائر أخوته . وقد ذكرت لنا كتب السيرة أنّ مناظرة حصلت بينه وبين أبي حنيفة، حول الجبر والاختيار، بيّن له فيها الإمام السلام على صغر سنّه، بطلان القول بالجبر بالدليل العقليّ، ما دعا أبا حنيفة إلى الاكتفاء بمقابلة الابن عن مقابلة الإمام الصادق {ع} وخرج حائراً مبهوتاً من علم موسى بن جعفر .

 

الظروف السياسيــّة عند تولـّيه الإمامة :.... عاش الإمام موسى بن جعفر الكاظم‏{ع} مدّة إمامته بعد أبيه، في فترة صعود الدولة العبّاسيّة وانطلاقتها. وهي فترة تتّسم بالفتن خاصة بعد سقوط نظام ظالم وتفتحت السبل أمام الناس المحرومين .. فحدثت المشاكل والفتن والادعاءات .., والمعروف إن الإمام الكاظم {ع} ولد في زمن مروان بن محمد  الملقب بالحمار , آخر ملوك الدولة الأموية .حين سقطت كان عمره الشريف 4 أربعة سنوات .وزادت الفتن الدولة العباسية , بعدة اتجاهات ...

     منها محاربة أهل البيت وخاصة شخص الإمام الصادق{ع} من قبل المنصور العباسي , وزبانية بني العباس , كانت ظروف الإمام صعبة وقاسية، نتيجة الممارسات الجائرة للسلطة، وعلى رأسها المنصور العبّاسيّ . وبعد شهادة الإمام الصادق {ع} تطورت الحوادث السياسية بشكل رهيب ..

          وما زاد من صعوبة موقف الإمام {ع} ادّعاء الإمامة زوراً، من قبل أحد أبناء الإمام الصادق {ع} هو عبد الله الأفطح  ...!!  وظهرت حركات جديدة بعنوان أدعياء الإمامة والمهدويون ...؟؟؟...

   من هم القائلون بإمامة عبد الله بن جعفر بن محمد وسموا بذلك : سمي بالافطح , لأنه قيل إنه كان أفطح الرأس { والفطح يعني عريض الرأس والأنف }  وقال بعضهم : كان أفطح الرجلين .. قالوا بإمامته عامة الناس وبعض الفقهاء إلى هذه المقالة فدخلت عليهم الشبهة , اعتبروا الإمامة في الأكبر من ولد الإمام إذا مضى.. ثم منهم من رجع عن القول بإمامته لما امتحنه بمسائل من الحلال والحرام لم يكن عنده فيها جواب ولما ظهر منه من الأشياء التي لا ينبغي أن يظهر من الإمام,  ثم إن عبد الله مات بعد أبيه بسبعين يوما فرجع الباقون إلا شذاذا....روي عن أبي عبد الله الصادق {ع} أنه قال لموسى : يا بني  أن أخاك سيجلس مجلسي ويدعي الإمامة بعدي فلا تنازعه بكلمة فإنه أول أهلي لحوقا بي ...  وهذه اول المصائب التي تلقتاها موسى بن جعفر {ع} من أخيه وشيعته ...

وهناك تيار آخر هم , أدعياء المهدوية عند الشيعة :.....

        لما كانت هوية الإمام المهدي {ع} في زمن العباسين غير معلنة , كما نعرفها إن الإمامين العسكريين عليهما السلام , كانا يمنعان شيعتهم من ذكر اسمه , ولعله خوفا على حياة الإمام الحسن العسكري {ع} رغم ذلك التعتيم , وضع في الإقامة الجبرية في سامراء , وقتل مسموما من قبل الخلفاء العباسيين ....   وهنا استغل الإعلاميون الأمويون والعباسيون هذه الصورة الضبابية عن حياة الإمام المهدي {عج} فقاموا بالترويج لشخصيات إنهم الإمام الموعود .. إضافة إلى جهل الشيعة في تحديد الفكرة المهدوية , لاستغلالها سياسيا وعقائديا وماديا ...

               مَّا يؤكّد غموض هوية المهدي عند أهل البيت، ولدى جماهير الشيعة والمسلمين في القرون الثلاثة الأولى، وهي الفترة التي حبلت بالصراعات السياسية , والتي استخدم الخلفاء فيها الدين قناعا للسياسة , هو تكرّر دعوات المهدوية هنا وهناك.. حتَّى جاوزت العشرات، وأصبح لكلّ طائفة أكثر من مهدي واحد.. حيث تدلّنا هذه انتشار مصطلح (الإمام المهدي) مع معنى الثورة والحرّية والعدالة كردّ فعل على الواقع الفاسد في المجتمع الإسلامي ...!.

            من المؤكد إن القصص المهدوية في القرون الإسلاميّة الأولى، مرتبطة بحركات سياسية تتصدّى لرفع الظلم والاضطهاد, فتلتف حول زعيم معين ، وعادة ما يعينون من عندهم إماماً من أهل البيت{ع} أو من أبناءهم ....وعندما تفشل الحركة أو يموت الإمام ، أو يختفي مهديهم في ظروف غامضة.. كان أصحابه يختلفون، فمنهم من يسلّم بالأمر الواقع ويذهب للبحث عن إمام جديد ومناسبة جديدة للثورة.. ومنهم من كان يرفض التسليم بالأمر الواقع فيرفض الاعتراف بالهزيمة ويسارع لتصديق الإشاعات التي تتحدَّث عن اختفائه وغيبته.هؤلاء من بسطاء الناس يعلّقون آمالاً كبيرة على شخص معين ، وحين يموت او يختفي يصعب عليهم التراجع، لأنَّه كان يعني لهم الانهيار والانسحاق النفسي.

مهدوية الإمام علي:

       كان شيعة الإمام علي بن أبي طالب {ع} الذين ثاروا على عثمان الأموي وقاتلوا في معركة الجمل وحاربوا معاوية في صفين، واشتبكوا مع الخوارج في النهروان يأملون أن يستمرّ حكم الإمام العادل فترة طويلة ينعمون بالعدل والمساواة.. وكان أملهم في الإمام كبيراً.. ولذلك فإنَّ البعض منهم صدم بخبر اغتياله ولم يكد يصدّق نبأ وفاة الإمام. يقول مؤرّخو الشيعة كالنوبختي القمي والكشي: إنَّ جماعة من الشيعة رفضوا التصديق بوفاة الإمام، وقالوا: إنَّ علياً لم يقتل ولا يموت حتَّى يسوق العرب بعصاه ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.يمكن أن نفسّر هذا القول بالصدمة والأمل الكبير.. حيث لم يحتمل أولئك الذين كانوا بعيدين عن الكوفة خبر استشهاد الإمام، بعد أن كانوا يأملون أن يحقّق الإمام العدالة الكونية على الأرض، فأدّى بهم ذلك إلى تصوّرات بعيدة عن الواقع. وهذه تحملها من بعده أولاده , حيث ورثوا أفكارا غير حقيقية عن الإمامة بصورة عامة والفكرة المهدوية بصورة خاصة ...

مهدوية ابن الحنفية:  ظهرت بعد مجزرة كربلاء تجمَّع الغضب الشيعي حول قيادة محمّد بن الحنفية , من أجل الثأر والانتقام لشهداء كربلاء.. وعندما توفّي محمّد في ظروف غامضة عام (81هـ) قالت جماعة من أنصاره (الكيسانية): إنَّه لم يمت وإنَّه مقيم بجبال رضوى بين مكّة والمدينة، واعتقدوا أنَّه (الإمام المهدي المنتظر) الذي بشَّر به النبيّ{ص} أنَّه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً. يفسّر السيّد المرتضى علم الهدى دعوى الكيسانية بمهدوية ابن الحنفية بالحيرة التي ألجأتهم إلى القول بها. أملهم على ابن الحنفية أن يأخذ السلطة من أيدي الأمويين، وقد أصيبوا بالخيبة بعد موته قبل تحقيق الهدف المنشود، فاضطرَّ أتباعه من الشيعة الكيسانية إلى اختراع القول بمهديته واستمرار حياته وغيبته...

مهدوية أبي هاشم: وتراجع هذا القول بمهدوية ابن الحنفية عندما برز أبو هاشم عبد الله بن محمّد بن الحنفية، كقائد جديد للشيعة في نهاية القرن الأوّل الهجري، وتعلّق الأمل الكبير به لتحقيق ما عجز أبوه عن تحقيقه.. وتكرَّرت الأزمة من جديد عندما توفّي أبو هاشم دون أن يظهر.. وهذا ما أدّى إلى اعتقاد قسم من شيعته باختبائه وغيبته والقول أنَّه (المهدي المنتظر) وأنَّه حيّ لم يمت.والمصيبة الكبرى من هؤلاء الذين اعترفوا بوفاة أبي هاشم بقي الأمل في نفوسهم بانتظار أحد أبناء محمّد بن الحنفية في المستقبل، ولم يحدّدوا شخصاً معيّناً.ولكنهم خالفوا الشيعة في تحديد المهدي ...

 ****** لم تكن النظرية المهدوية  قبل هذه الحركة محصورة في البيت الفاطمي، بل ,امتدَّت إلى خارج البيت العلوي، إلى عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر الطيّار، ثمّ تطوَّرت لتنحصر في البيت الفاطمي من أبناء الحسن والحسين.. ولم تكن محصورة في ذلك الوقت في أيّ واحد من البيتين. لذلك اعتقد قسم من الشيعة بمهدوية زيد بن علي، كما اعتقد قسم آخر بمهدوية محمّد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن (ذي النفس الزكية)، ولما قتل زيد انظم أتباعه  إلى النفس الزكية. وكان عبد الله بن الحسن أبوه قد سمّى ابنه (محمّداً) وتنبَّأ عند ولادته بأن يكون (المهدي الموعود) الذي بشَّر به النبيّ{ص}  وقال عنه إنَّ: (اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي) وهو من ادخل يواطيْ اسمي واسم أبي ..هكذا روجوها للتعبئة .. وقد استفاد منها العباسيون وضللوا جميع الشيعة المقاتلين حبا لأهل البيت {ع} باعتبار أن المهدي يقود ثورة ضد الحكم الأموي ، وكان فيهم إبراهيم الإمام الذي قتله الأمويون , وأبو العباس السفّاح والمنصور، ولكن لما قامت الدولة العبّاسية الغوا الفكرة المهدوية وحاربوها وقتلوا من يقول بالمهدي الموعود .... ولما ثار محمد بن عبد الله بن الحسن على العباسيين سنة 145 هـ ,سيطر على مكّة واليمن، وقتل بعد شهور. أصيب قسم من شيعته بالصدمة ولم يتحمَّلوا نبأ الهزيمة ولم يصدّقوا بمقتل (المهدي) الذي كانوا ينتظرون خروجه  فقالوا: إنَّه حيّ لم يمت وإنَّه مقيم بجبل {بين مكّة ونجد} حتَّى يخرج. وتشبَّثوا بالحديث الذي يقول: ((القائم اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي)).

وتقول بعض الروايات: إنَّ قسماً من الشيعة اعتقد بمهدوية الإمام محمّد بن علي الباقر {ع}  اعتماداً على رواية تقول: إنَّ النبيّ {ص} قال لجابر بن عبد الله الأنصاري: ((إنَّك تلقاه فاقرأه منّي السلام)).

مهدوية الصادق:بعد وفاة الإمام الباقر {ع} وقتل  محمّد بن عبد الله ذي النفس الزكية وانتصار العبّاسيين، ظهرت علمية  الإمام جعفر الصادق {ع} فكان العلماء ينهلون من علمه الديني , وآخرون يؤلفون إشاعات وروايات كثيرة حول مهدويته, لذلك رفض قسم من الشيعة الاعتراف بموته وقالوا: (إنَّه المهدي المنتظر وإنَّه حيّ لم يمت)،ثم جاءت فكرة مهدوية ولده إسماعيل ...

من هذا يبدو أنَّ النظريات المهدوية المختلفة كانت تولد مع الزمن وفي الظروف المختلفة.. وكانت أقرب إلى الأمل منها والرجاء إلى الاستناد إلى أحاديث قاطعة وصريحة، وكان القول بـ (الغيبة) يبرز عند وفاة الإمام المنتظر دون أن يظهر.. ولم يكن الشيعة يجمعون دائماً وأبداً ومنذ البداية على مهدوية إمام معيَّن من قبل.. ففي الوقت الذي كان بعضهم يؤمن بمهدوية الإمام الصادق كان البعض الآخر يذهب ليعلّق الأمل على مهدوية ابنه إسماعيل، وعندما توفّي إسماعيل في حياة أبيه الإمام الصادق رفض أصحابه التسليم بوفاته واخترعوا القول بغيبته وفسَّروا تشييع الإمام له ودفنه أمام أعين الناس بأنَّه مسرحية تستهدف التغطية على هروب إسماعيل واختفائه والإعداد لظهوره في المستقبل!

 

          *****من المعروف أنَّ الشيعة اختلفوا بعد وفاة الإمام الصادق{ع}  إلى ستّ فِرَق، فذهب الإسماعيلية إلى القول بحياة إسماعيل وإمامته ومهدويته وغيبته،  وظهر محمّد بن جعفر الصادق (الديباج) الذي خرج في مكّة (عام 200هـ) أنَّه المهدي المنتظر، وأعلن نفسه خليفة للمسلمين وأخذ البيعة وتسمّى بأمير المؤمنين.وهذه القصة خرافية لان هذا الشخص لم يولد أساساً ولم يكن له وجود، وقد اختلق بعض الشيعة  قصَّة وجوده في السرّ بعد وفاة عبد الله الأفطح الذي آمن أولئك الشيعة أنَّه الإمام بعد أبيه الصادق{ع} وأصيبوا بأزمة عندما توفّي الأفطح دون عقب يرثه في الإمامة..فاخترعوا قصَّة وجود ولد له في السرّ!، وقالوا: إنَّ اسمه يطابق الحديث النبوي المشهور: (( يواطيْ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي)).لكي يتاجروا بها ,وانه سوف يملأ الأرض قسطاً بعد أن تملأ ظلماً وجوراً.

           يتبين من هذا السرد التاريخي للواقع السياسي عند الشيعة إنهم يعيشون دائما في موقف معارضة الظلم , ولكن ينقصهم الفهم الذي يصل إلى مرحلة هضم الفكرة المهدوية .... هذا ليس عند الشيعة فقط , فالسنة ايظا عندهم حوادث وثورات ضد الطغاة قادها مهدي من طوائفهم بناء على ما موجود في كتبهم , من روايات عن النبي {ص} بما يزيد على 500 حديث عن الفكرة المهدوية , ولا يختلفون عن الشيعة سوى بالولادة , فهم يقولون سيولد مستقبلا ...

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

      بعد انقلاب الدولة العبّاسية على أهدافها الإصلاحية , انتشر الظلم والفساد,  كان من الطبيعي أن يلتفّ المعارضون حول شخصية عظيمة من زعماء أهل البيت هو الإمام موسى بن جعفر{ع} وهو الامام الحق ورمز التقوى والعلم والعبادة..

اعتمد الإمام الكاظم {ع}  على تربية أصحابه في مواجهة السلطة والحكام .. واعتمد مبدأ المقاطعة والنهي عن معاونة الظلمة. في وقت اشتغلت السلطة عنه في القضاء على الحركات السياسية والفكرية ، وهو ما أعطاه فرصة أكبر للقيام بدوره الإلهيّ التربوي والعقائدي للأمة , فقد  شارك الإمام الكاظم عليه السلام على الرغم من صغر سنـّه في المدرسة العلميـّة لأبيه، كان متميـّزاً بعلمه على صغر سنـِّه.

فسعى إلى  ترسيخ مبدأ إمامة الأئمة الإثني عشر، وذلك من خلال تعليم الناس، وأهمية  الرجوع إلى تلك العلامات. وبهذا فرض الإمام الكاظم{ع} نفسه على الواقع ّ، وترسّخت إمامته في نفوس الشيعة.

موقفه من الانحراف الأخلاقي :.. في ظل تشجيع السلطة للانحراف كثرت محلات الملاهي وبيع الخمور , وظهور طبقة الحريم والغلمان في بيوت الخلفاء ..... ذكر ابن جرير طرفا من سيرة الخلفاء العباسيين  في إكثاره من اقتناء السودان والخصيان، وإعطائهم الأموال والجواهر، أما الأمين فقد أمر بإحضار الملاهي, أي الراقصات , والمغنين من سائر البلاد، وأنه أمر بعمل خمس حراقات على صورة الفيل والأسد والعقاب والحية والفرس، والحراقة نوع  من السُّفن تكون للاستراحة واللهو .. وأنفق على ذلك أموالا كثيرة جدا، وقد امتدحه أبو نواس بشعر أقبح في معناه من صنيع الأمين وصرح الشعراء بالفحش بين الرجال بالرجال ..

       يقول ابن جرير أنه جلس يوما في مجلس أنفق عليه مالا كثيرا، وقد فرش بأنواع الحرير، وكؤوسهم من الذهب والفضة، وأحضر ندماءه، وأمر القهرمانة أن تهيئ له مائة جارية حسناء، وأمرها أن تبعثهن إليه عشرا بعد عشر يغنينه، فلما جاءت العشر الأول اندفعن يغنين بصوت واحد: فلم تعجبه الأغنية فغضب من ذلك وتبرم وضرب رأسها بالكأس، وأمر بها أن تلقى إلى الأسد فأكلها.بعدها ازداد غضبه على الأخريات فطردهن وأمر بتخريب ذلك المجلس وحرق ما فيه.

     **** موقف الإمام موسى بن جعفر {ع} من هذه الانحرافات الأخلاقية التي تتعارض مع تعاليم الإسلام. ونموذج ذلك قصّة بِشْر الحافي، حيث كان يمرّ الإمام {ع} أمام منزله، فسمع صوت الغناء يخرج من الدار، فصادف أن التقى بجارية لدى بشر الحافي فسألها الإمام{ع}  "يا جَاريَة، صاحِبُ هذهِ الدّارِ حُرٌّ أَمْ عَبْدٌ؟"، فقالت: "حرّ"، فأجابها "صَدَقْتِ لَوْ كان عَبْدَاً لَخافَ مِنْ مَوْلاه". ولمّا سمع بِشْر كلمات الإمام هذه اهتزّ كيانه من الأعماق، فتاب على يده وأصبح من أصحابه.... وطبيعي هذه الحادثة وصلت إلى أسماع الخليفة , وعرف إنها موقف من الإمام عن سياستهم الأخلاقية ...

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الدور السياسي والعلمي  والتبليغي :..............

عاصر الإمام الكاظم‏ عليه السلام من خلفاء العبّاسيّين المنصور، والمهديّ، والهادي، وهارون العباسي , حكم المنصور العبّاسيّ بالشدّة، والقتل، والتشريد، فامتلأت سجونه بالعلوّيين، وصادر أموالهم، وبالغ في تعذيبهم، وتشريدهم، وقضى بقسوة بالغة على الحركات المعارضة. إلى أن مات ، وانتقلت السلطة إلى ولده المهديّ العبّاسيّ، الذي خفّف من وطأة الضغط، والرقابة على آل البيت عليهم السلام ما سمح للإمام الكاظم‏ عليه السلام، أن يقوم بنشاط علميّ واسع في المدينة المنورة ، حتّى شاع ذكره في أوساط الأمّة.

 

ولما جاء الهادي العبّاسيّ، اشتُهِر بشراسته ومضايقته لأهل البيت عليهم السلام. فقام الحسين بن عليّ أحد أحفاد الإمام الحسن‏ بن علي بن ابي طالب {ع} بالثورة على العبّاسيّين، التي سميت في ما بعد بثورة "فخّ"، تمكّن الحسين بن عليّ من السيطرة على المدينة.. في الواقع أسباب عديدة أشعلت الثورة ..

       أهمها ان والياً لئيماً عينه الهادي العباسي على المدينة، كان هدفه الوحيد إذلال العلويين، إذلال علماء أهل البيت،فكان يسبهم ويستهين بالإمام الكاظم، يمنع أحدا أن يصل أليه، كأن لم تكن مشكلة لديهم إلا محاربة فكر أهل البيت وشيعتهم وإيذاء عائلة الرسول{ص} كان الخليفة منتقية لهذا الغرض،فكان يلزمهم أن يحضروا إلى دار الولاية‌ يوقعون أثبات حضورهم، أحيانا يفتعل أشياء وينسبها لهم ويحملهم المسؤولية هذا نقرأه في التاريخ..

مرة من المرات احضر الحسن بن محمد بن عبد الله المحض في مجلسه والمجلس حاشد بالناس وجماعة‌ من العلويين معه فأمر بضربهم بالسياط أمام الناس بالخصوص الحسن أمر بضربه ثمانين سوطاً والبقية معه خمسة عشر سوطاً إمام الناس,,!  فكان يضع الرصد عليهم يشتمهم يوجه لهم التهم، نفذ صبر العلويين في المدينة، الإمام الكاظم كان في المدينة ولكن محاصر وحراسة مشددة عليه ..أرسل الحسين بن علي بن الحسن المثنى شخصا  للإمام الكاظم يستشيره بالثورة ..يقول لان صبرنا نفذ، قال الإمام اذا فعلت فأنك مقتول لا محالة، «فأحدّ الضراب فأن القوم فساق يظهرون إيمانا ويضمرون نفاقاً وشركاً وإنا لله وأنا أليه راجعون»..

    جمع الحسين أصحابه مثل يحيى، وسليمان، وإدريس بن عبد الله بن الحسن، وعبد الله بن الحسن الأفطس وغيرهم.  فلما أذّن المؤذن الصبح دخلوا المسجد ونادوا أحد أحد،وهو شعار النبي {ص}وصعد عبد الله الأفطس المنارة، وأجبر المؤذّن على قول: حيّ على خير العمل وصلى الحسين بالناس الصبح.

فخطب بعد الصلاة وبايعه الناس، وبعد أن استولى على المدينة توجّه نحو مكة وبعد أن وصل الى ( فخ ) فعسكر فيه وكان معه (300 ) مقاتل ولحقته الجيوش العبّاسية وبعد صراع رهيب استشهد الحسين وأصحابه وأرسلت رؤوس الأبرار الى الطاغية موسى الهادي، ومعهم الأسرى وقد قيّدوا بالحبال والسلاسل ووضعوا في أيديهم وأرجلهم الحديد، وأمر الطاغية بقتلهم فقتلوا صبراً وصلبوا على باب الحبس...............................    فخ هو وادي الزاهر يبعد 5و5كم ً عن مكّة المكرّمة وفيه قبور ‏جماعة ‌العلويين قتلوا فيه في واقعة مع أصحاب موسى الهادي بن المنصور العباسي سنة (169) هـ ..نقل عن المحدث القمي قال: نقلاً عن الإمام الجواد{ع} (لم يكن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ).

               جيش العباسيين كان بقيادة قائد من الأتراك النواصب واندلعت المعركة يوم التروية يعني قبل عرفة بيوم سقط فيها الحسين قتيلاً ...وهرب عدد من أصحابه مثل عيسي بن زيد وثلاثة من أولاد عبد الله المحض{ أبو نجم } واسر جماعة من العلويين ,وقطعوا الرؤوس وساقوا الأسرى إلى موسى الهادي العباسي في بغداد ولما ادخلوا عليه باشرهم قتلهم بيديه وهو يردد:بني عمنا لا تنطق الشعر بعد ما ...دفنتم بصحراء الغميم القوافيا  ...هذه الحادثة او واقعة فخ كان من اخطر وافضح الحوادث في التاريخ الإسلامي وتحدث عنها بعض الشعراء وكتب عنها الكتاب،وهي اكبر وصمة عار في حكم العباسيين ..

 

 يشير التاريخ أن الشهداء بقيت أجسادهم  ثلاثة أيام تأكل منها الوحوش, بعدها جاء جماعة ‌من الطالبيين ودفنوهم سراً، أما الطاغية الخليفة العباسي ألقى مسؤولية هذه الثورة على الإمام الكاظم فكان يهدد إن اذهب إلى المدينة، احفر البقيع، انبش قبور الأئمة، اخرج عظامهم، افعل كذا، اقتل موسى بن جعفر، فكان علي بن يقطين كان يخبر الإمام بطريقته الخاصة، فتوسل الإمام بالدعاء المعروف جوشن صغير،{ الهي كم من عدو شهر علي سيف عداوته} ، ليالي الجمع كان الإمام يردد هذا الدعاء ,فاستجاب الله دعاء الإمام موسى بن جعفر وإذا  قبل سفره هذا بليلتين تواطأت أمه مع أخيه هارون فقتلته خنقاً فما هذا الطاغية العباسي ببركة دعاء الإمام موسى الكاظم {ع} ...

             ولمّا بلغ العمري الوالي الهارب وهو بالمدينة قتل الحسين بن علي صاحب فخ، عمد إلى داره ودور أهله فحرقها، وقبض أموالهم ونخلهم، فجعلها في في صافي امواله ....لمّا سمع الإمام {ع}  بمقتل الحسين (رضي الله عنه) بكاه وأبّنه بهذه الكلمات: (إنّا لله وإنّا إليه راجعون، مضى والله مسلماً صالحاً، صوّاماً قوّاماً، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، ما كان في أهل بيته مثله) ...وقال الشاعر دعبل الخزاعي:  قبور بكوفان وأُخرى بطيبة ** وأُخرى بفخ نالها صلواتي .

فضل شهداء الواقعة:

عن زيد بن علي {ع}  قال: انتهى رسول الله {ص} إلى موضع فخ، فصلّى بأصحابه صلاة الجنازة، ثم قال: (يقتل ها هنا رجل من أهل بيتي في عصابة من المؤمنين، ينزل لهم بأكفان وحنوط من الجنّة، تسبق أرواحهم أجسادهم إلى الجنّة) ...عن الإمام الباقر {ع} قال: مر النبي {ص} بفخ، فنزل فصلّى ركعة، فلمّا صلّى الثانية بكى وهو في الصلاة، فلمّا رأى الناس يبكي بكوا، فلمّا انصرف قال: (ما يبكيكم)؟ قالوا: لمّا رأيناك تبكي بكينا يا رسول الله. قال: (نزل عليّ جبرائيل لمّا صلّيت الركعة الأُولى فقال: يا محمّد، إنّ رجلاً من ولدك يقتل في هذا المكان، وأجر الشهيد معه أجر شهيدين) .

   ولما مات الهادي حل بعده هارون العباسي , فدعا الإمام {ع} أصحابه وأتباعه إلى اجتناب كافّة أشكال التعامل مع السلطة العبّاسيّة الظالمة، التي مارست بحقّ العلويّين ظلماً، لم تمارسه الدولة الأمويّة. ودعاهم إلى اعتماد السريّة التامّة في تحرّكهم، واستخدام التقيّة للتخلّص من شرورهم.

مع كلّ هذا الحذر، فقد عصف بقلب هارون الرشيد الحقد والخوف من الإمام‏{ع} وكان يتخوف منه دائنا , لأنه يعرف إنهم بيت لا يرضون بالظالم مهما نزل بهم ..

كان الشيعة في تلك الفترة بقيادة الإمام الكاظم (ع) يشكلون الخطر الأكبر الذي يواجه دولة بني العباس بسبب امتلاكهم الرؤيا الفكرية والعقائدية المتميزة المعززة بالأدلة القرآنية ,إضافة إلى الإمكانيات الذاتية للقيادة المتمثلة بالإمام، إضافة للتحرك العسكري القوي المتمثل بالثورات الحسينية ..الأمر الذي جعل الدولة العباسية تقف بالمرصاد لكل حركة مهما كانت صغيرة ,حتى لو كانت اعتيادية ...

من أمثلة ممارسات الجهاز الأمني للقيادة السياسية للدولة، مثلا لو اشترى الإمام أرضا ..يبدأ سيل الأسئلة والتحليلات، لماذا اشترى البستان ؟ ومن أين أتى بالمال ؟ ومن الذي بعثه ؟ وان الإمام كان متفقا مع صاحب البستان أن يدفع له  بعملة معينة فحينما يرفض صاحب البستان الدفع بتلك العملة يدفع له الإمام بالعملة التي أرادها، فتبدأ الأجهزة الأمنية بدراسة ذلك الموقف وعندما نقول ذلك نعني هو الهرم الأعلى قائد الدولة التي تعادل ممتلكتها أكثر من خمسين دولة الآن، ويبقى سيل التحليلات والأفكار المريبة لماذا اشترى البستان وكيف غير الدفع بالعملة التي أرادها صاحب البستان وان تغيرها يدلل على امتلاكه للسيولة المالية، فما هي الموارد ومن أين جاءت.

     هكذا كانت حركة الإمام (ع) مرصودة بكل جزئياتها، وان جدية الدولة العباسية في موقفها هذا يكشف عن البعد الحركي السياسي الذي يتمتع به الإمام (ع) وتلك الأجهزة ترتعب من تصرفاته اليومية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ .......تأسيس دولة الأدارسة في المغرب

 في تلك الظروف ورغم شراسة الهجمة العباسية على العلويين .. نرى بحق وصدق استمرار جذوة المعارضة والثورة .... حينما نقرأ التاريخ بتمحيص نرى ان بعض الثوار الذين كتب لهم حياة من مجزرة فخ , والهروب من  سطوة بني العباس والفرار بدينهم في أصقاع الأرض مهاجرين في ارض الله الواسعة ولكنهم ثابتون وحاملون لخط الرسالة الإسلامية منهم السيد ادريس بن عبد الله ,استطاع أن يتملص من قبضة بني العباس ..ذكر المؤرخ المصري الشيخ محمد الخضري بك في كتابه الدولة العباسية هذه الحركة الكبيرة في التاريخ وذكر قائدها فقال: إدريس بن عبد الله بن الحسن المثنى ممن هرب من وقعة فخ، سار إلى مصر ومنها اتجه إلى المغرب الأقصى فالتف حوله برابرة أوربة فكّون هناك أول خلافة للعلويين وهي دولة الادارسة، سنة 172 هـ، وكانت بيعته في تلك السنة، أي بعد قمع الثورة بثلاث سنوات ..

        ولما بلغ هارون أمر إدريس حقق نجاحا ببلاد المغرب وأسس دولة علوية وكثرت جنوده وانه عازم على غزو أفريقيا، همَّ ان يرسل له جيشاً ولكنه عدل عن ذلك لبعد المسافة بين بغداد وأفريقيا واختار رجلا داهية اسمه سليمان بن جرير ..طلب منه ان يحتال في قتل إدريس وزوده مالا كثيرا ..

 فسافر الرجل ووصل إلى إدريس مظهرا النزوع أليه متبرئاً من الدعوة العباسية، فقبله إدريس واختص به وأعجب بحديثه ولما انتهز الفرصة سمه, وفر هاربا فمات إدريس سنة 177هـ وكان له ولد اسمه محمد , وكان ذكيا بارعا في فهم السياسة ...فبايعوه بالخلافة واستمرت دولة الادارسة في المغرب رغم إرادة هارون الرشيد العباسي القضاء عليها. ...هذه الدولة العلوية الفتية بددت كلمة هارون الرشيد التي يقول بها متبجحا مخاطبا السحابة : أمطري فحيث تمطري فانك تمطري على ملكي.. حيث أصبح السحاب يمطر في بعض الأحيان ليس على ملكه إنما على ملك آل بيت رسول الله.

   ووصلت معلومات لبغداد ان دولة الادارسة وضعت قانونا للدولة , عينت فيه أسلوب تسلم الحكم , وكيفية تنصيب الخليفة , وتركت منصب الإمام او الفقيه العام أو المرشد العام فارغا .. فلما وصلت الأخبار لبغداد عرف هارون إن هذا المنصب لا يستحقه إلا موسى بن جعفر {ع} لذلك عمد ان يقوم بنفسه باعتقال الإمام , ونقله مع صفوة من العباسيين إلى البصرة ...وزج عدد من الهاشميين على رأسهم الإمام الكاظم (ع) وممن مات في السجن تلك الفترة: محمد بن يحيى الحسني والحسين بن عبد الله من سلالة جعفر الطيار (ع) مات بالسجن اثر التعذيب الشديد. والعباس ابن محمد وهو من سلالة الإمام الحسن (ع) مات بالسجن اثر الضرب بعمود حديد وعدد كبير ممن استشهد  بالسجن.

أما يحيى بن عبد الله الحسيني هذا ربيب الأمام الصادق (ع) حينما يتحدث عن الأمام الصادق (ع) يقول حدثني حبيبي جعفر بن محمد الصادق (ع) هذا السيد استطاع الهرب في أعقاب ثورة صاحب فخ ,هرب إلى الديلم ومعناه { جيلٌ من  أبناء العجم كانوا يسكنون نواحي أَذربيجانَ الإيرانية } ..

        أسس بعض القواعد الشيعية وحاول التحرك في اتجاه الصدام مع الدولة العباسية، ولكن حينما أصبح الصدام قويا كانت قوة المسلحة للدولة اكبر تفرق الثوار من حوله ..بقي هذا الثائر العلوي وحيدا.

فأرسل له هارون الرسل أعطاها فيها الأمان كتب له صيغتها ، ولكن يحيى الحسيني رفض تلك الصيغة وكتب صيغة أخرى للامان وكان من فقهاء آل البيت {ع} وقبل الرشيد هذه الصيغة بعد ذلك غدر، وساعده فقهاء السلطان على الغدر وقالوا له يمكن أن تقبله ولكن كلف شخص آخر يغتاله بالسوق فلا تكون أنت القاتل المباشر وجدوا له تخريجا شرعيا. فقتله و تخلص من العهود التي أعطاها له.

 وضع الإمام تحت الأضواء والمتابعة الدقيقة والدائمة للدولة و استطاعت السلطة أن توظف بعض العملاء من أقارب الإمام (ع) وغيرهم، رواية تشير أن علي ابن إسماعيل هو الموظف لهذه المهمة. بعض الروايات تقول أن محمد ابن إسماعيل هو الذي وظف بمهمة التجسس على الإمام الكاظم و كتب تقريرا سيئا ضد عمه،  جاء في رواية  أن محمد بن إسماعيل دخل على الإمام موسى بن جعفر (ع) وهو يريد بغداد فودعّه فقال له: أوصني ياعم، فقال: أوصيك ان تتقي الله في دمي، ثم أرسل اليه مع علي بن جعفر ثلاثمائة دينار. فقال له: إذا كنت تخاف منه كما ذكرت فَلِم تعينه على نفسك ؟ فقال (ع): إذا وصلته وقطعني قطع الله اجله، قال: فمضى على وجهه حتى دخل على هارون فسّلم له بالخلافة، وقال:ما ظننت إن في الأرض خليفتين حتى رأيت عمي موسى بن جعفر يُسلم له بالخلافة، فأرسل اليه هارون بمائة ألف درهم، فرماه الله بالذبحة فما نظر منها إلى درهم ولامسه. .. ضرب بذبحة القلب ومات ...

أرادت السلطة العباسية من خلال هذه التقارير والوشايات على جملة المعاني يمكن ان تشكل إدانة قوية للإمام (ع) وتعطي مسوغا على اعتقال الإمام (ع) إضافة إلى خداع الأمة لتهدئة الرأي العام.

لابد لنا من الحديث عن الأسباب التي دعت الرشيد لسجن الإمام موسى (عليه السلام)، واعتقاله في غياهب السجون، وظلمات الطوامير بعيداً عن أهله ووطنه، ومحروماً من الالتقاء بشيعته، ولعل ذلك - فيما نحسب - من أقسى المحن والخطوب التي عاناها في حياته.

1 - سمو شخصيته :هو ألمع الشخصيات ذلك العصر فهو من أئمة المسلمين ووصي النبي {ص} .

2 - حقد هارون :...كان الحقد من مقومات شخصية هارون وأبرز صفاته النفسية، فكان يحمل حقداً لكل شخصية مرموقة لها المكانة العليا في عصره، فلم يرق له بأي حال أن يسمع الناس أو يتحدثوا عن أي شخص يتمتع بمكانة علياً في المجتمع، وقد حاول أن يحتكر الذكر الحسن لنفسه ولذاته.

3 - حرصه على الملك  :... كان هارون حريصاً على ملكه متفانياً في حب سلطانه، فهو يضحي في سبيله جميع المقدسات والقيم، وقد عبر عن مدى حرصه على سلطته بكلمته المعروفة التي تناقلتها الأجيال والأحقاب وهي:لو نازعني رسول الله{ص} لأخذت الذي فيه عيناه. كان هارون يقظاً، فكان يخرج بغير زيّه متنكراً ليسمع أحاديث العامة، ويقف على اتجاهاتهم ورغباتهم، فكان لا يسمع إلا الذكر الطيب  للإمام والثناء عليه، وحب الناس له، ورغبتهم في أن يتولى شؤونهم فلذلك أقدم سجنه وقتله .

 

4 - بغضه للعلويين :..عرف عن هارون بغضه للعلويين، فقد ورث عداءهم من آبائه وسلفه الذين نكلوا  وصبوا عليهم وابلاً من العذاب الأليم، وساقوهم إلى القبور والسجون، وطاردوهم حتى هربوا هائمين على وجوههم خائفين في بلدان الله ...وزاد هارون على أسلافه ، فدفنهم وهم أحياء وأشاع في بيوتهم الثكل والحزن وأبغض شيء إليه أن يرى الإمام موسى {ع} فصار ينقله من سجن الى سجن .. دخل عليه علي بن سويد .. سأله أما أن لسجنك ان ينقضي . فقال بلغو شيعتنا ان ينتظروني بعد ثلاثة ... فتجمع الناس وخرج أربعة من الحمالين ...