قراءة غير رقمية لنتيجة رقمية

الرقم قد يكون مخادعا فيما لو إذا أقتطع من حالته التي تستطيع أن تعطله أو تفعله. وفي السياسة فإنه لا يعني شيئا, مهما كان حجمه, إذا لم يستطع أن ينتج فعلا مؤثرا. كثير من الإحصائيات الرقمية, المقتطعة من مشهدها الموضوعي كنتيجة, والتاريخي كأسباب, غالبا ما تؤدي إلى تأسيس نظريات خاطئة وحلول سلبية تضيف على المشكلة الأصلية أو تعقدها كثيرا. 
للوهلة الأولى تجعلنا نتيجة الإنتخابات الأخيرة نفهم, رقميا, أن النتيجة التي حققها إئتلاف دولة القانون, وبالمقارنة مع نتيجة الإنتخابات النيابية السابقة التي كانت جرت في عام 2010, تمثل تقدما حقيقيا وحتى حاسما لصالح دولة القانون, وما أراه هو غير ذلك تماما, فقوة الرقم الحقيقية لا تكمن في فارق الأربعة أو الخمسة أصوات زيادة التي حققها مقارنة بالنتيجة السالفة وإنما هي تكمن في قدرة الرقم بمجمله على أن يؤدي نفس الوظيفة التي اداها قبل أربعة سنوات, وهذا يذكرنا بضرورة دراسة كل رقم على حدة من خلال معرفة وزنه ضمن حالته.
في الحالة السابقة اضيف رقم الـ 89 مقعد التي حصل عليها إئتلاف دولة القانون إلى حالة الإستنفار القصوي التي كان التحالف الوطني قد مر بها من أجل إبطال تسلم العراقية لمقاليد السلطة, هذا يعني أن الحالة هي التي فعلت الرقم وجعلته متفوق التأثير. ولو لم يكن هناك إستنفار في هذا الإتجاه لما تمكن إئتلاف دولة القانون, والمالكي تحديدا, أن يحصل على بقية أصوات التحالف الوطني الذي ضم بشكل رئيسي الصدريين وجماعة المجلس الإسلامي. في تلك المرحلة ضغط الأمريكيون أيضا لصالح المالكي تمشيا مع سياسة تقاسم النفوذ مع إيران على الساحة العراقية. 
لم يكن هناك وقت للمبادئ والأخلاقيات والبراغمتك كان مسعفا في تلك اللحظة لمعرفة أن الإنحياز للعلمانيين ولعلاوي كان ممكنا أن يدخل الأمريكان في نزاعات غير مطلوبة زمنيا مع الإيرانيين, وفي تلك اللحظة برز السيد المالكي كأفضل من يساعد على تبادل الأوراق تحت الطاولة أو كعراب لمعادلة التوازن الأمريكية الإيرانية.
بعد أربعة سنوات تغيرت الحالة بالإتجاه الذي افقد المالكي ورقة الحاجة إليه كحل مركزي في مواجهة خطر مركزي حسبته أطراف التحالف الوطني ضدها, ألا وهو خطر العراقية نفسها, لا بل وحلت محل ذلك أزمات ثقة, به شخصيا وبسياساته المتفرقة , وبهذا يجد المالكي نفسه في وسط مأزق حقيقي قد يعطل كثيرا من زيادة رقمه ليجعله شخصيا عاجزا بحق عن العودة مرة اخرى إلى رئاسة الوزارة.
أما الكورد الذين كانوا بيضة القبان في مباحثات تشكيل الوزارة السابقة فقد فقدوا ثقتهم بالمالكي ومن الأكيد أنهم سينحازون إلى اي بديل من داخل التحالف الشيعي يعدهم بتحقيق بعض مطاليبهم. ولا أعتقد أنهم جادين بمسألة تعديل الدستور لإقرارالكونفدرالية, فهم يعلمون تماما أن المالكي أو أخوته الإعداء من داخل التحالف إضافة إلى بقية القوى السياسية الوطنية أو السنية, وربما الدولية والإقليمية, غير مستعدين لتلبية طلب على هذا المستوى, لكنهم بإعتقادي يلجئون إلى ذلك من باب رفع سقف المطالب للحصول على ما تحته, ولا بد انهم واعون لحقيقة ان مطلبا كهذا قد يؤدي بالنتيجة إلى إلتفاف كثير من القوى الوطنية والعربية السنية حول المالكي ليفعل إيجابيا قيمة رقمه الإنتخابي, إذ ليس من المعقول أن يراهنوا على إمكانية أن يوافق المالكي على طلب سيأكل حتما من رصيده في ساحته, إضافة إلى معرفته بالمسموح واللامسموح الإيراني الأمريكي. 
بالنسبة لمعادلة التوافق الإيراني الأمريكي من يقل ان المالكي هو وحيد أمه, ففي الساحة العراقية, هناك الكثير من العناصر, وخصوصا من التحالف الوطني, التي تعلمت كيف تتقن لعبة التوازن بين القوتين المقررتين في العراق, وكيف تعد بتنفيذها. 
هل سيفلح المالكي في النهاية بتشكيل الوزارة.. ربما, لكن سيكون مؤكدا أن الوصول إلى إقرار ذلك لن يكون من خلال المراهنة على أغلبية الأصوات التي حصل عليها, إذ لا يكفي السمكة ان تكون كبيرة لكي تتنفس خارج الماء. 
وهذا يؤكد على أن قيمة الرقم مرتبط في النهاية بحالته التي تفعله سلبا أو إيجابا فتأكل منه أو تضيف عليه..