الأمام الكاظم عليه السلام أسير السجون المظلمة

حينما اوصى رسول الله صلى الله عليه واله باتباع اهل البيت والتمسك بهم لانهم يشكلون محورا للأطمئنان والنجاة من كواسر الوحوش في الدنيا وضمانا لمعراج السماء والفوز بالحياة الابدية كنهاية حتمية لكل البشر , فهم طوق النجاة والإشعاع الإلهي والمسيرة الصحيحة التي يهتدي بها المسلمون لمعرفة افضل واقصر طرق الجنان , وواحد من تلك الشموس الالهية هو الامام موسى بن جعفر عليه السلام سليل الدوحة المحمدية بصبره ونفاذ بصيرته قلع سجون الظلم لتتحول الى ساحة الاجتهاد والجهاد والمعرفة والتنافس الفكري ودوحة العلم ,كان الامام عظيم الشأن , كثير التهجد , المواظب على الطاعات , المشهود بالكرامات , يبيت الليل ساجداً ويقطع النهار متصدقا وصائما , ولفرط حلمه تجاوز عن المعتدين عليه ,كان كاظماَ للغيظ شجاعا ابياً عطوفا يأكل من ما انتجته يداه , روي عنه انه كان يصلي نوافل الليل ويصليها بصلاة الصبح ثم يعقب حتى تطلع الشمس ويخر لله ساجداً واشتهر بدعائه الذي لازمه طول حياته( اللهم أني اسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب ) ويكرر ذلك , ولد في منطقة الابواء في السابع من صفر سنة 128 هجرية الموافق للسادس من شهر تشرين الثاني 745 ميلادية (عمره 55 سنة ) مدة أمامته 35 سنة وكانت كنيته ابو الحسن أبو ابراهيم ,أمه حميدة البربرية كانت من أشراف الأعاجم وقد قال عنها الامام الصادق عليه السلام (حميدة مصفاة من الادناس كسبيكة الذهب ) , شهد الامام الكاظم عليه السلام في حياته قبل امامته الوانا من الظلم الذي كان يمارس من قبل الدولة العباسية بحق ابيه وابناء عمومته , والتي خضعوا فيها للتعذيب والتحقيق والمراقبة والتصفية الجسدية ,الا ان هذا لم يثنيه من مواصلة إشهار الرسالة وإيصال الأمانة الإسلامية ومفاهيمها بكل الطرق الى محبيه وانصاره رغم صعوبة التحرك وعدم اتساع وسائل نقل الخبر والمعلومة بالوقت الذي كانت السلطة تحد من فكره والعمل على تقليص حركته ومراقبة مدرسته الفكرية , في زمن الخليفة المهدي الذي خلف المنصور في عام 158هـ , فقد أودعه السجن مدة من الزمن , ثم أطلق سراحه بسبب حلم رآهِ , يقول المؤرخون أنه انتفض مرعوباَ من نومه ذات يوم , وبعث الى وزيره الربيع وأمره بإحضار موسى بن جعفر عليه السلام , فلم حضر الامام قام له المهدي وعانقه وأجلسه , ثم قص عليه الحلم الذي رآهِ , قال له (رأى أمير المؤمنين علي عليه السلام فقال لي فهل عسيتم إن توليتم ان تفسدوا في الارض وتقطعوا ارحامكم ) ثم طلب من الامام عهداً ان لايخرج عليه او على احد من اولاده واطلق سراحه , شهدت اواخر حياة الامام الصادق عليه السلام وفي بداية امامة موسى بن جعفر عليه السلام , سيطرة الفلسلفة اليونانية على الفكر العام وكثرت فيها الاتجاهات الفلسفية وسادت الشبهات , وامتدت الى صلب العقيدة والدين وانتشرت مفاهيم تتعرض الى العقائد وتشوية الرسالة من الالحاد والجحود , وما كان من الامام الكاظم عليه السلام الا ان يتحمل المسؤولية الفكرية والعلمية وان يواظب على نهج ابيه في المدرسة فواصل في التدريس وانهَل طلابها من العلم والفكر الحصين وقد تخرج فقهاء وعلماء ارفدوا الامة الاسلامية وابطلوا كل الشبهات وحافظوا على العقيدة , ولم يقتصر العلم والفكر ونشر العقيدة الإسلامية فقط في باحة المدرسة بل امتدت الى أكثر من ذلك, وحتى حينما اودع السجن زمن هارون الرشيد ,حول الامام عليه السلام السجن الى مكتبة ومحراب للعبادات والفكر ولم يهمل اي رسالة تأتيه واكثر المسائل والشبهات في العقيدة التي كانت تصله يجيب عليها تحريرا , وكان ايداع هارون الرشيد للامام الكاظم في السجن ونقله من مكان الى اخر ماهو الا تصفية للفكر والعلم وضياع الحقيقة الالهية بما عرف عن أئمة اهل البيت عليهم السلام هم أصحاب الأرض والجاه والسلطة الحقيقية , فانتهت تلك المؤمراة الى اسكات صوت العدالة لفترة لم تكن طويلة , ولم تخلوا تلك المواجهات في السجن ان يعلوا صوت الامام الكاظم عليه السلام بأرسال رسالة الى طاغية عصره هارون الرشيد يذكره فيها بان مصير الحكام والملوك الظلمة سينتهي الى يوم سيحاسبون على كل جريمة اقترفوها بحق اوصياء رسول الله محمد صلى الله عليه واله كما جاء بتلك العبارة الموجهة الى هارون ( لن ينقضي عني يوما من البلاء الا أنقض عنك معه يوم من الرخـاء , حتى نمضي جميعا الى يومٍ ليس له انقضاء ويخسر فيه المبطلون ) , عن الامام الرضا عليه السلام قال: من زار قبر أبي ببغداد كان كمن زار رسول الله صلى الله عليه واله وقبر أمير المؤمنين علي عليه السلام , الا ان لرسول الله وامير المؤمنين عليهما السلام فضلهما , وعن الخطيب البغدادي في تاريخه عن علي بن الخلال قال:ماهمني امر فقصدت قبر موسى بن جعفر عليه السلام وتوسلت به الا سهل الله لي ما أحب , ورأى في بغداد امرأة تهرول فقيل : الى أين ؟ قالت : الى موسى بن جعفر عليه السلام فانه حبسُ ابني : فقال حنبلي انه قد مات في الحبس فقالت : بحق المقتول في الحبس أن تريني القدرة , فاذا ابنها قد أطلق واخذ ابن المستهزىء بجنايته . ومن أقوال الأمام الكاظم عليه السلام , ( ان العاقل لايكذب من يخاف تكذيبه) و(ما من شيء تراه عينيك الا وفيه موعظة ) و ( من تكلم في الله هلك , ومن طلب الرئاسة هلك , ومن دخله العجب هلك ) .السلام على المعذب في قعر السجون العباسية السلام على صاحب السجدة الطويلة السلام على المدفون في الكاظمية المقدسة.