ما بين مالاوي و العراق!!

يتواصل قتل الابرياء في العراق بطرق مختلفة و اساليب مبتكرة بعضها انتخابي و أخر شخصي و ثالث اقليمي، في وقت تعترف المؤسسة الرسمية بارتفاع مخيف في عدد الفقراء و المحرومين وسكنة العشوائيات في بلد يطفو على خيرات خيالية مقابل غياب متراكم للقيادة الحكيمة.

سقوط مئات الألآف من الأشخاص بين شهيد و جريح و مفقود و نازح مقابل مئات الالاف أخرى من اليتامى و الارامل و الثكلى وغياب الأمن و تفشي نفوذ الميليشيات، لتتشكل أكثر من دولة داخل الهرم المؤسساتي العراقي الذي أنجب انتخابات لم يوافق على نتائجها حتى الشركاء، ما يؤسس لمستقبل أقل ما يوصف بالفوضى العامة، حيث يتجه الجميع الى التصادم على المصالح الشخصية و الحزبية بعيدا عن توفير الحياة الكريمة للشعب.

سجلت الحكومة العراقية رقما قياسيا في القرارات المتناقضة، التي تهدف فقط الى الايحاء بتأثيرها الاقليمي و الدولي، فهنا تتبرع بملايين البراميل من النفط الخام ، وهناك ترصد ملايين أخرى لانقاذ صربيا من الفيضانات، بينما هدد الغرق بغداد و لم تنجح في بناء سدة ترابية وسط تخوين و تسويف و افتعال مخجل للأزمات، لذلك يستمر نيزف دم الأبرياء مثلما يحدث في الفلوجة و الرمادي و شوارع بغداد وضفاف الأنهر على امتداد مساحة العراق، حيث يتم التستر على كل شيء و كان العراق يدار بعقلية التسقيط و الأسماء المستعارة من المعارضة الى اليوم، و الا كيف يتم حرق مزارع الحنطة و الشعير و حقول الفاكهة بدون جواب أو موقف رسمي واضح!!

يذكرني استمرار الفشل في العراق باعتماد دول فقيرة على عقلانيتها في معالجة مشاكلها بعيدا عن التدخل الخارجي و اشاعة فوضى المال الحرام، ففي جمهورية مالاوي الأفريقية قررت رئيسة الحكومة ،جويس باندا، تقليص راتبها الشهري بنسبة 30 في المائة، وتعهدت ببيع 35 سيارة مرسيدس تستخدمها حكومتها، اضافة الى بيع الطائرة الرئاسية ، بمبلغ 15 مليون دولار لإطعام أكثر من مليون شخص يعانون الفقر المدقع، بينما يظل رئيس الأورغواي ،خوسي موخيكا، أفقر رؤساء العالم حتى الآن و أكثرهم كرما وسخاء وأحبهم عند شعبه، حيث يبلغ راتبه الشهري 12 ألف و500 دولار ولكنه يحتفظ لنفسه بنسبة 10 بالمئة فقط ويتبرع بالباقي للجمعيات الخيرية في بلاده.

وعن ذلك يقول " الرئيس الفقير" ان "المبلغ الذي يتركه لنفسه يكفيه ليعيش حياة كريمة ،بل ويجب أن يكفيه خاصة وأن العديد من أفراد شعبه يعيشون بأقل من ذلك بكثير"علما أن موخيكا يعيش منذ توليه الرئاسة في شهر مارس 2010، في بيت ريفي بمزرعته ويرفض العيش في القصر الرئاسي، كما أنه لا ينتفع بالحراسة المشددة كبقية رؤساء العالم، و أن أغلى شيء يملكه هو سيارته «الفولس فاغن بيتل» ذات الطراز القديم التي لا تتعدى قيمتها ألفي دولار.

وبمجرد الالت فات سريعا الى العراق اليوم يمكن قراءة الظلم الرسمي للشعب رغم مظاهر الورع و التقوى، فالمسؤول محبوس في قصوره و بين حراسه و أمواله، يتحدث بشيء و يعمل بأخر، لذلك لا الانتخابات تنفع و لا الانقلابات تحل المشكلة ، فالعراق بحاجة الى ثورة شعب على نفسه لتصحيح السلوكيات و الخروج من قمقم الطائفية و العرقية و المظلومية و العددية و تبعية القرار، والقفز الى دولة المؤسسات المدنية التي تفصل الدين عن السياسة و تحفظ للعراق هيبته

و تأثيره الحقيقي لا المصطنع بمغريات المال و مجاملة القرار الاقليمي للمحافظة على كيان الأشخاص لا هيبة الدولة العراقية.!!!