الكريستال والزجاج في التراث الكتابي اليهودي |
ان كلمة كريستال ، باليونانية crystallos تتكون من العبارتين cruos: ثلج ice و عبارة tallos من tellomai التي تعني تقسّي أو تصلّب . من هنا تفترض عبارة كريستال بأنها تعني : شبه الثلج أو كصورة الثلج أو بلورة الثلج مجازاً وتشبيها. الثلج القاسي أو المقسّى . موازاة لعبارة الكريستال اليونانية ترد في الكتاب المقدس بالعبرية كلمة (ها ق ر ح ) הַקֶּ֣רַח ـ قورح : ثلج ، والجميل أن ذات الكلمة في العبرية تعني الأصلع bald أو أبيض الرأس ايضاً مثل الثلج . ومن المحتمل أن تكون العبارة العربية القرع ـ أقرع وقرعة أي صلع ـ صلعة قد تم تحريفها من (ق ر ح ) العبرية.
ففي كتاب النبي حزقيال 1: 22 " وكان فوق رؤوس هذه الكائنات قبة كالبلّور الساطع منبسطة على رؤوسها من فوق". يستخدم الكاتب لمعان وبريق الكريستال ـ قورح ـ في تشبيه اللمعان البلوري الساطع على رؤوس الكائنات الملائكية . و ترد العبارة بمعنى الصقيع المتجمد في سفر التكوين 31: 40 "وكان يأكلني الحرّ في النهار، والصقيع في الليل، ولطالما هرب النوم من عيني". و كذلك بنفس المعنى ، صقيع أوثلج، في سفر أيوب 37: 10 " بنسمة الله يحدث الصقيع وتتجمد سطوح المياه" وفي سفر ارميا 36: 30 أيضاً " فلذلك قال الرب على يوياقيم ملك يهوذا : لا يجلس أحدٌ من نسله على عرش داؤد، وتطرح جثته للحرّ في النهار وللصقيع في الليل". و ترد بمعنى ثلج ice في سفر أيوب 6 : 16 "وعليها يتكاثف الجليد وتزداد من ذوبان الثلج"، وفي أيوب 38 : 29 " من أيّ بطن خرج الجليد، ومن ولد صقيع السماء ؟". وترد كريستال (ق ر ح) في عبارة بلور في سفر الرؤيا 4: 6 " وقدّام العرش ما يشبه بحراً شفافاً مثل البلور"، وترد ثانية في سفر الرؤيا 22: 1 " ثم أراني الملاك نهر الحياة صافياً كالبلور ينبع من عرش الله والحمل".
الزجاج : ويضاف الى ذلك فانه تمّ ترجمة زيكوكيت (ز ك و ك ي ت ) في سفر أيوب 28 : 17 بعبارة زجاج العربية (التي دخلت الى العربية عن طريق الارامية والعبرية) تشبيها تصويريا بالحكمة ، والزجاج كان نادراً في تلك الحقبة التاريخية واعتبر حينها من المواد الثمينة ، ويشبّه كاتبُ سفر أيوب الحكمة به وبندرته وبثمنه العالي ويعتبرها أثمن منه قائلا : " لا يُقاس بها الذهب والزجاج ولا تقايض (أي الحكمة) بمصنوع الذهب النقي". ان صناعة الزجاج (أو نفخ الزجاج) كانت معروفة منذ الألف الرابعة قبل الميلاد في بلاد النيل بشكل خاص ومنها انتشرت في مدن سواحل اسرائيل وصيدا التي كانت مركزا لصناعة ونفخ الزجاج في الأزمنة الكتابية. وفي الكتاب المقدس ترد عبارة زجاج (ز ك و ك ي ت) كما قلنا مرة واحدة في سفر أيوب 28 : 17 في الآية أعلاه. وفي الترجوم اليهودي لسفر التثنية 33 : 19 ترد عبارة جميلة في وصف الزجاج كأنه كنزاً : "الكنوز مخفية في الرمال" كاشارة الى الرمال التي يتم صناعة الزجاج منها. تم العثور على الكثير من القناني الزجاجية وكسور وأجزاء زجاجية كثيرة في الحفريات الأثرية الاسرائيلية، منها الشفافة ومنها الملونة وعديد منها قد تعرضت الى التكسر، وبأسماك وأشكال مختلفة، في المناطق الأثرية في اورشليم وفي مناطق أثرية اسرائيلية أخرى كذلك. وفي الحقبة الرابينية (التي تبدأ منذ سقوط هيكل اورشليم المقدس عام 70 ميلادية) ازدهرت صناعة وفنون الزجاج بين اليهود ، ففي الوقت الذي كان فيه الزجاج الأبيض والشفاف (كالبلور ) غالي الثمن، كان يستخدم الفقراء الزجاج الملون. تم استخدام الزجاج من قبل اليهود (والشعوب المجاورة ) كلياً أو جزئياً في صناعة العديد من المواد كالمناضد والأواني والقوارير، الملاعق والسكاكين والأقداح والكؤوس والمشربيات والقناني والزجاجات الخاصة بالعطور، والأواني والصحون الخاصة بوجبات الطعام الخاصة في الاعياد اليهودية وأيام السبت، كما صنع منه الخرز والقلادات وغيرها من الاكسسوارات النسائية الجميلة، مصابيح الانارة الزيتية، وكأجزاء زجاجية في صناعة الآثاث المنزلية وغيرها. كما اختص العديد من التجار اليهود ببيع المواد الزجاجية في بلدان الشرق الاوسط . وبالرغم من أن المرايا كانت تصنع من صفائح المعادن بشكل واسع ، لكن مصنعي الزجاج اليهود قاموا بتزجيجها وراجت سوق المرايا المزججة وانتشر استخدامها منذ القرون الأولى الميلادية، واستمرت في الحقبة الفارسية والاسلامية وماتبعها. |