كيف نفهم اﻻسلام

ثمة ازمة حقيقية تعيشها البلدان العربية اليوم، فما بين تطرّف ابنائها في الدين وتعصّبهم لعرقهم تموت الرغبة في خلق مجتمع ديمقراطي مدني يحتوي التنوع في اطار الدولة الوطنية الواحدة.

يتحمل الاسلام السياسي الجزء الاكبر من ازمتنا الراهنة بعد موت القومية او افولها، وعلى القائمين على هذا النهج ان يعرفوا من انهم ورطوا الاسلام معهم في معركة غير نزيهة اطلاقاً، اذ يفترض ان الاسلام دين رحمة لكل العالمين لكنهم صنعوا منه حزباً سياسياً يخص جماعة دون اخرى، ويا ليته كان حزباً واحداً بل احزاب منقسمة متحاربة، كلٌ منها يمتلك صورة مختلفة ومناقضة لصورة الآخر.

علينا ان نفهم الاسلام فهماً عميقاً كما فعلت اوروبا مع مسيحيتها.

ليس الاسلام حزباً منغلقاً بل حالة ثقافية تشكلت تصوراتها على مفاهيم كالعدالة ومحاربة الفقر وتحرير العبوديات وانقاذ المرأة من موت ينتظرها فكانت بمثابة ثورة اجتماعية على نظم الحياة وقتها. احتوت هذه الثورة كأي ثورة اخرى على جوهر ومظهر. اما جوهرها فهو التغيير والخروج على رتابة الحياة وادارتها بينما كان مظهرها عبادات وفقه وعقائد خضعت اغلبها لذوق السلطان وتأثيره. خضعت للسياسات التي حكمت وقتها فكان قد التبس علينا منها الكثير وضاع بين ثنايا النقل نصف حقيقتها وصار من الصعب علينا ان نتحقق كيف صلّى النبي محمد، متكتفاً ام مسبل اليدين؟ هل صلى على تربة ام بدونها؟ هل جمع في صلاته ام فرّق؟

تلك لعمري امور اجرائية شكلية لا تضر بجوهر الاسلام كدين وثورة اجتماعية على الباطل.

لكنها تصبح مشكلة بالفعل حين نؤسس عليها رؤيتنا السياسية.

مشكلتنا تكمن في استلهام تلك الامور الاجرائية وبناء تصوراتنا السياسية عليها في حين كان يجب علينا ان ننطلق من جوهر الاسلام وحقيقته الرافضة للظلم وعدم المساواة. كلما بنينا فكراً سياسياً على تلك الامور الشكلية، كلما جذّرنا الخلاف وشرّعنا الحروب. اننا نحوّل الاسلام من حالته الثقافية الاجتماعية المتجددة الى حزب ينازع من اجل كرسي زائل، وأي فشل في ذلك يعني فشل الاسلام من ورائه. هكذا يفهمها الناس.

علينا الاختيار بين اسلام اجرائي شكلي وبين اسلام الجوهر والمُثُل العامة. الاول سينتهي بقتلنا جميعاً وقتل نفسه في النهاية، في حين سيبقى الثاني حاضنة لكل فكر انساني متجدد بما فيه الديمقراطية.

بكلام آخر، الاول سيذهب بنا نحو البؤس والتشرذم والحروب والثاني سيذهب بنا نحو السعاده..