هناك الى حيث قاضي الحاجات...توكأت على الصبر وبقايا حرورة الصواب.. توزرت وشدت وسطها ببيرغ سبق ان مسحت به جبين احفادها طلبا للبركة والعافية...احفادها الذين يتحلقون حولها كل ليلة لسماع حكاياتها التي لا تخلو من كلماتها المحببة... (يمن عمت عيني، بجاه فاطمة الحورية والمرفوع بلا تجية،،خطة العباس ما تنجاس،، برد حيلهم وجفانة شرهم)،وغيرها من الكلمات التي لا تحتاج ترجمة لمن عاش في بيوت الظيم السرمدي...هي ايقونة ورمز مشفر لارث طويل من الوجع...كانت يوما طفلة بظفيرتين تركض في حقول الشلب والحنطة على ضفاف اهوار السومريين كانت تتقافز هنا وهناك خلف طير الكطا او ديك الحجل مع اخوتها وصبيات قريتها الامنه.. كانت شاهدة على لعلة الرصاص في اعراس اعمامها واخوالها ولربما حشرت نفسها بين جموع النسوة وتدافعت معهن لتحظى برؤية العروس وهي مديرمة و مخضبة بالحناء ويفوح منها رائحة المسك او الريحة ام السودان!! هناك كانت ترفل بدفء الاب ويملؤها الشموخ حين تسمع ابوها غاضبا في المضيف وهو يهدد ويذكر الخصم ويقول...انه ابوج يفاطمة !! تزوجت وانجبت وحاصرها وجع المخاض وهي تمسك منجل الحصاد بين اكوام تمن العنبر او النعيمة....حاصرها الجوع بعد صارت هي وزوجها واولادها يزرعون ويحصدون ليكسب المحفوظ ويزداد ثراءا ولسافر ابن المحفوظ للدراسة في بغداد وزوجة المحفوظ يومية يكثر خشلها وذهبها بينما هي كل يوم تبيع قطعة من خشلها ونيشان عرسها للصبي او لعطار القرية مقابل ان تعالج احد اطفالها من الحصبة او الجدري او ابو زويحير!! شدت صرة ملابسها ووضعتها على رأسها وهي تحمل طفل وتمسك اخر والاخرين ممسكين بعبائتها وامامها زوج لا يملك سوى اثار السوط على ظهره ميممة وجوههم شطر الحرية حيث بغداد التي ليس لهم فيها من قريب سوى موسى بن جعفر!! هنا بدأت قصة اخرى من الوجع....من الحقول الى بيع السكائر على ارصفة كراج النهضة او العلاوي وهي تودع بناظريها الشباب الملتحقين للجبهات ومن بينهم ابنائها وتنتظر وتنتظر ولا يعود لها سوى خيالهم وطنين في اذنيها المتعبة تتخيله صوت احدهم...كومي يمة ارجعي للبيت اتوضي والبسي شيلتج البيضاء اني راجع اعوضج عن كل اللي فات!!!!
|