ان الاحتفالات الجنائزية الكرنفالية هي احتفالية تجمع بين الاستعراض والتمثيل والفعاليات الاجتماعية المترسخة مع المناسبة المحتفى بها. انها ظاهرة تاريخية متجذرة في الحضارات البابلية والاكدية والسومرية حيث كان العراقيين السابقين يحتفلون بها لتمجيد الاله عشتار اله الخصب والجمال وهم يقدمون سيرا على الاقدام من القرى والقصبات البعيدة حاملين معهم النذور والهدايا والعطايا ويوزعون الشراب واللبن والحليب المحلى بالعسل مع الخبز العراقي القديم ومن اجل هذه الاحتفالية تفتقت الحضارة عبر بنائها بتاسيس شارع خاص بها سمي شارع المواكب لازال شاخصا وهو يؤدي الى ميدان احتفالي وسط مدينة بابل التاريخية واليونانية والهندوسية والبوذية والفرعونية حيث كان هنالك عيدا يجتمع فيه السحرة والبهلوانين ليكون مهرجاننا تمجد فيه الهة فرعون وعبادتها .واما الكرنفالات المسيحية بما يسمى يوم الثلاثاء الدسم قبل الصوم المسيحي الكبير باسبوع حيث تفترش شوارع المدن بما لذ وطاب من المشروبات واللحوم والمنتوجات الحيوانية من لبن وزبد وقيمر ومن هنا جائت كلمة كرنفال من كلمة كارفي وهي تعني بالايطالي اللاتيني لحم وكلمة ليفاري تعني المخفف ولازالت المدن في اوربا وامريكا واسبانيا تحتفل بهذه الكرنفالات لمدة اسبوع تم استثمارها سياحيا من قبلهم للجذب السياحي وتعزيز القيم الثقافية والفلكلورية وهي ايضا مناسبة للمارسة رياضة المشي عبر شوارع المدن المحتفلة بذلك والاسلامية الفاطمية والاندلسية وهذه الكرنفالات والاحتفالات من السياقات التاريخية تنمؤ وتتطور مع التفاعل الشعبي والاجتماعي والسياسي معها وخصوصا انه اخذت بعدا اخر عبر العقيدة الشيعية في تجديد الولاء الى ال بيت رسول الله الكرام صلى الله عليهم وسلم تسليما . ان ما نلاحظه في الاحتفال الكرنفالي العزائي بوفاة الامام السابع موسى بن جعفر (7 صفر 128هـ-25 رجب 183هـ) الملقب بالامام الكاظم عليه السلام قد تطور واخذ بعدا جديدا منظما عبر الفعاليات الاجتماعية المختلفة العفوية التي تضيف في كل عام لمسة جديدة من حيث التنظيم وكثافة المشاركة الجماهيرية نتيجة لعشق اهل بغداد بجميع طوائفهم وميولهم عبر التاريخ للامام موسى الكاظم عليه السلام ولذلك اطلق عليه البغادة تسميات متعددة مثل العبد الصالح وباب الحوائج و اسد بغداد وحامي بغداد ومنارات وقبب مرقده الشريف معلما من معالم بغداد التاريخية سحرت الرخالة والمستشرقين منذ بنائها واعمارها وهي الكاظمية او مقيرة قريش التي اشتراها حفيده الامام التاسع محمد الجواد عليه السلام ليدفن بقرب جده بعد مماته والتي اصبحت فيما بعداد مدينة عامرة وكبيرة وسوقا تجاريا رئيسيا من اسواق بغداد واول من امر باعمار المسجد ويناء القباب فيسنة 336 ه هو معز الدولة احمد بن بويه البويهي الوزير العباسي وقت ذاك وكان امره بتجديد واعمار المرقدين، وتجديد الضريحين، وتزيين المقام، وبنى أمام المقام صحناً واسعاً رفيع الجدران. وعَيَّنَ جُنُوداً وعساكر لخدمة المقام وحراسته، وتأمين سلامة الزوار من الأخطار المحتملة لبعد المدينة عن بفداد القديمة حيث كانت تفصل بينهما بساتين براثا قبل ان تكون مسكونة من قبل الناس وبعدها جدد المرقد اسماعيل الصفوي في عام 929 ه فأمر بقلع عمارة الحضرة من الأساس وإعادة بنائها بعد توسيع الروضة وتبليط القاعات بالرخام ووضع صندوقين خشبيين فوق القبرين كما أمر أن تكون المآذن أربع بدلا من اثنتان وبنى مسجدا كان يسمى المسجد الصفوي ثم أصبح الآن يسمى محليا بمسجد الجوادين وأمر بنقل رباط الحيوانات إلى خارج الجدار وعلق فيه القناديل والثريات. وقد اكمل السلطان سليمان القانوني في عام 941 ه زار الحضرة وجد أن العمران فيها قد بدأ إلا أنه لم يتم فأمر بتكميله وبناء المنبر الموجود اليوم في مسجد الجوادين وإكمال بناء إحدى المآذن وفي عام1207ه أمر السلطان محمد بإكمال ما بدأه الصفويون فأضاف ثلاث مآذن أخرى على طراز الأولى التي كان قد بناها السلطان سليمان. من تلك الأعمال أيضاً تأسيس صحن واسع يحف بالحرم من جهاته الثلاث: الشرقية والجنوبية والغربية، ويتصل الجامع الكبير بالحرم من جهته الشمالية، وتم تخطيط الصحن بمساحته الموجودة اليوم. ولهذا هو دلالة تاريخية هو اتفاق انظمة الحكم الاسلامية رغم اختلافتها العقائدية والمصالح الساسية وصراعتها للاستحواذ على العالم الاسلامي اهمية هذا المرقد الشريف واصحابه النجباء وهم معدن الرسالة وحفظة رسالة الوحي ومنبع الفكر الاسلامي التسامحي وهو نابع من البيئة أ الدينية التي تربى بها الإمام الكاظم في كنف أبيه وأسرته كان لها أبلغ الأثر في تكوين شخصيته وصفاته،ويقول في هذا المجال اية الله باقر القرشي «وكانت البيئة التي عاش فيها الإمام بيئة دينية تسودها القيم الإنسانية والمُثل العليا، وأما البيت الذي عاش فيه فقد كان معهداً من معاهد الفضيلة، ومدرسة من مدارس الإيمان والتقوى، قد غمرته المودة، وعدم الكلفة، واجتناب هجر الكلام ومرّه، وبذلك فقد توفرت للإمام جميع عناصر التربية الرفيعة.» ورغم ماعناه الامام الكاظم من السجن في البصرة وبغداد فكان يكسب ؤد سجانيه والحرس المكلفين بحراسته من خلال حسن عبادته واخلاقه وقد غير فيهم الكثير من الصفات ورغم سجنه فهو اول من وثق الفتاوي والاحكام عبر رسائل طلبته والعلماء له حول بعض المسائل عن الحلال والحرام والتفسير القرائني فكانت الرسائل تاتيه الى السجن ويرد عليها مكتوبة وموثقة الى السائلين والراغبين في مسائل عديدة لايسع هذا المقال ذكرها وكيف لايكون هكذا وهو تربى في كنف ابيه أبيه الامام جعفرالصادق عليه السلام فكان أيضاً مدرسة علمية يرتادها كبار العلماء والفقهاء، قال محمد صادق نشأت :«كان بيت جعفر الصادق كالجامعة يزدان على الدوام بالعلماءالكبار في الحديث والتفسير والحكمة والكلام، فكان يحضر مجلس درسه في أغلب الأوقات ألفان، وفي بعض الأحيان أربعة آلاف من العلماء المشهورين . وقد ألّف تلاميذه من جميع الأحاديث والدروس التي كانوا يتلقّونها في مجلسه مجموعة من الكتب تعدّ بمثابة دائرة علميّة للمذهب الشيعي أو الجعفري. وهكذا كان الامام معاصرا لخلفاء بني العباس المنصور والهادي والمهدي وهارون الرشيد حيث كان المنافقون يوغلون صدر الرشيد عن هيبته ووقاره واحترام الناس له وعلمه واستقلاله المالي عبر العطايا من المحبين والمريدين وممن أخذ عن الإمام الكاظم وروى عنه الخطيب في تاريخ بغداد، والسمعاني في الرسالة القوامية، وأبو صالح أحمد المؤذن في الأربعين، وأبو عبد الله بن بطة في الإبانة، والثعلبي في الكشف والبيان والامام احمد بن حنبل وابن الجوزي حيث قال عن الامام «موسى بن جعفر كان يدعى العبد الصالح، وكان حليماً وكريماً، إذا بلغه عن رجل ما يؤذيه بعث إليه بمال». واما الشبلنجي الشافعي «قال بعض أهل العلم: الكاظم هو الإمام الكبير القدر، الأوحد، الحجة، الحبر، الساهر ليله قائماً، القاطع نهاره صائماً، المُسمَّى لفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين كاظماً. وهو المعروف عند أهل العراق بباب الحوائج إلى الله، وذلك لنجح قضاء حوائج المتوسلين به، ومناقبه (رضي الله عنه) كثيرة شهيرة.» وهكذا هو الامام الترياق المجرب للمريدين والراغبين لله وعبادته. ان الاحتفاءبوفاة الامام الكاظم كانت في القرن الماضي محلية تختص الكاظمية وجوارها وكانت لاتتعدى يوم المناسبة ولكن بعد التغيير في 2003 اخذت بعدا اخر رغم مايشوبها من مخاطر ولازالت حادثة الجسر وغرق الزوار مائلة امام الاعين لتسجل لنا ملحمة تلاحم عبر الشهيد عثمان العبيدي ابن الاعظمية الذي قضى نحبه غرقا وهو يحاول اسعاف وانقاذ الغرقى وليكون رمزا وطنيا خالدا من رموز العراق في التاخي والتعايش السلمي المرجوا وهكذا كان اهل الاعظمية سباقين في الضيافة للزوار عبر التاريخ حيث كانت التكية الموجودة في الاعظمية او ماتسمى مخيم الحجاج تستقبل الزوار الايرانيين في القرن الماضي ويبتيون الليل في الاعظمية ويعبرون ما بعد صلاة الفجر لانعدام الجسر وقتها وكان العبور عبر القوار والكفف وهكذا مهما حاول الارهاب الاعمى من اعاقة او تعطيل الكرنفال الكاظمي السنوي فانهم يصابون بالفشل والخزي للكثافة العددية للزائرين وما يرافقه من مواكب الخدمة المجانية المتعددة بما لذ وطاب من الطعام والماكل والمنام والاستراحة والتطبيب والجهد الامني والخدمي الواضح هذا العام من تنظيم الكرنفال وانسيابية الزوار بسهولة ويسر قهم الراغبين الى الجنان والسائرين على خطى ال بيت النبوة الاطهار وكان لي قصيدة كتبتها في العام الماضي. على طريق الجنة...... أجساد متناثرة.......... أحلام مؤجلة............ شيطان ينتصر.......... الملائكة منتظرة......... متى تفتح الجنة أبوابها....... والدم الأحمر القاني شعارها........... فكر موسى تائه في الصحراء......... أمال عيسى مصلوبة على الأعواد......... تنتظر بشارة الموعد............. في خلاص الإنسان........... من ذل الشيطان............ وكلمات احمد تستردها الشفاه...... شفاها تعتبرها دستور القتل القادم....... بغباوة تفسير المقال........... ليس هذا ما أراده النبي.......... يا قوم العقال......... كان حلم احمدا ساميا....... إن يعيش الإنسان....... في عدل واستقرار........ ورسم شعاره........... السلام على الأرض......... على كل الأرض........... فهل هذا حلم محال......... على درب الكاظمين الغيظ....... سالت الدماء............ من رقاب بشر....... حالمة بالجنائن......... يوم اللقاء............ فهل باب الجنة......... مخضب بالدماء.......... جواز دخوله........... الموت المرسوم.......... بعبوات الجدب الأغبياء رغم الموت والخوف والشقاء يبقى يسير الفقراء في درب الجنة....... المحنى بالدماء........ إلى يوم اللقاء...... ان الكرنفال هذا العام شهد وعيا من الزوار والمشرفين عليه من حيث الاعداد والتنظيم وما رافقه من نشاطات شعرية وفنية وادبية ومحاضرات فكرية تذكر بفكر ال البيت الاطهار والاقتداء بهم من اجل تعزيز الوئام الاجتماعي والتسامح وتعزيز العمل التطوعي الخدمي في الحفاظ على البيئة والحضور العربي والدولي بكثافة وقد شهد هذا الكرنفال خمسة ملايين زائر ومشارك وهو يدعون الله الواحد الاحد الذي لم يلد ويولد ولم يكن له كفؤ احد ان يحفظ العراق ويهدي حكامه واهله والسياسين لما فيه خير وصلاح الامة ان المحافظة والسير بهذه الحشود الجماهيرية في وضع امني مضطرب جعل من القوات الامنية اتخاذ اجراءات احترازية من اجل سلامة الزائرين وهذا مانشهده خلال موسم الحج في مكة المكرمة رغم هنا التخدي الامني من الارهاب الاعمي الذي يحاول دق اسفين الفرقة والشرذمة بين الامة. اعتقد ان التطور في الكرنفال الكاظمي يحتاج الى ورش عمل وتعشيق مختلف الاجهزة بفعالياتها قبل وقت المهرجان باستحضارات من اجل دمج مشاركات اكثر فائدة لترسيخ الوعي والتذكير بالفكر الكاظمي النير في التسامح وتوجبه دعوات متعددة للاخوة العرب والاجانب للاطلاع عن كثب عن ماهية هولاء العشاق والراغبين للجنائن واظهار وجه بغداد المشرق السياحي من جديد لطرد الملل والاستكانة من النفوس لما للمشي من فوائد متعددة وعلى المنتقدين مسح الغبار امام اعينهم والنظر للموضوع بمنظار اخر بعيدا عن الطائفية والتفكير الضيق لتكن فسحة امل لبناء وطن فرقته السياسة والاهواء تحت مسميات متعددة.
|