عمنا المالكي والولاية الثالثة |
انت تريد وانا اريد والله يفعل ما يريد . ربما ، في نهاية مطاف تشكيل الحكومة الجديدة ، قد تكون هذه العبارة هي اخر عبارة يسمعها السيد رئيس الوزراء نوري المالكي من قبل حلفائه ، وهو يحاول ترميم اطراف نجاحه التي حُطمت ، كي يتمكن، سياسيا ، من الوقوف على قدميه، وايضا ، كي يتمكن من تحريك يديه ذات اليمين وذات اليسار . ولكن لماذا المقولة الشهيرة التي ذكرت في بداية المقال انت تريد وانا اريد والله يفعل ما يريد ، اذ يبدو انها اخر جملة سترن في مسمعيه ، بمعنى ، ان في ختام المشهد سوف تسيطر الواقعية على المشهد السياسي العراقي ، وهو في عدم اهداء ولاية ثالثة للمالكي . اذ يعتقد الكثير من السياسيين والمراقبين للشأن العراقي ان اي ولاية ثالثة للسيد رئيس الوزراء نوري المالكي معناها ان يستمر العراق معطلا لاربعة اعوام قادمة على كافة الاصعدة لا سيما الامني والخدمي ، اذ فشلت الحكومة التي يراسها في تقديم الخدمات للمواطنين من ماء صافي و شبكات مياه الصرف الصحي والكهرباء وايضا التنمية الاقتصادية والقضاء على البطالة والفساد المستشري كالسرطان في جسد مؤسسات الدولة العراقية ، والنهوض بواقع القطاع الخاص ، هذا من جانب ، ومن جانب اخر، الفشل الامني خلال الاعوام الثمانية الماضية ، لا سيما الاعوام الاربعة الاخيرة منها ، باعتباره القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع والداخلية، وبالتالي كان الملف الخدمي والامني بيده خلالها ، ولم يتمكن ان يقدم شيء يذكر . اذ الدلالات كلها تشير الى ان العراق كان بحاجة الى زعامة تحمل كارزمية وطنية مشبعة بالحكمة والعقلانية والتروي في اتخاذ القرارات ، لاسيما المصيرية منها . وهذه الزعامة تكون ـ جزء من الحل وليس جزء من المشكلة ـ تعبر عن طموح العراقيين كافة ، في العيش بسلامة ورفاهية من دون استثناء او اقصاء كمواطنين وليس اقلية او خصماء شخصيين يتم النيل منهم . لكن الذي جرى هو العكس من ذلك ، فعلى مدار السنوات الماضية ، من حكم السيد المالكي ، تعامل مع الملفات الساخنة بسخونة اكثر مما هي عليها اصلا ، بالرغم من انها كانت بامس الحاجة الى التهدئة والتبريد ، مثل ملف اقليم كردستان وكيف توجهت فوهات الدبابات باتجاه الاقليم وصنفوا بانهم اعداء ، وايضا ملف المكون السني فقد تعامل معه باندفاع وانفعال، تحت مسوغات غير مقنعة ، وبشكل واضح ، وافشل ، متعمدا ، السياسيين المعتدلين منهم والمشاركين بالعملية السياسية ، واطبق الخناق على اغلبهم ،وسخر من مطالب مئات الالوف من المعتصمين في تلك المحافظات الست، وهذا كله ساعد في جعل هذا المكون يشعر بالتهميش والتنكيل ، مما شجع عودة بعض العناصر المسلحة والمؤمنة بالمواجهة العنيفة الدموية ، بعد تغييب اصوت المعتدلين وافشالهم ، بصور ممنهجة ومقصودة واضعاف كفتهم ،لتعلو كفة المتشددين ، كي يبرر استخدام القوة المفرطة من قبل القوات المسلحة الحكومية ضدهم باعتبارذلك ردة فعل طبيعية للتعامل مع هذا المكون، والذي طالب ابنائه، مرارا وتكرار ، من رئيس الوزراء والذي هو في ذات الوقت القائد العام للقوات المسلحة بالتعامل مع مشاكلهم ومطالبهم باعتبارهم مواطنين من الدرجة الاولى وليس من الدرجة الثانية . وهذا ما شعر به الكورد ايضا من خلال تاجيج الخوف من تغول حكومة المركز وبسط ارادتها بالعصا وليس بالجزرة. و لا ننسى ،ان رفقاء ، التحالف الوطني الشيعي ، ايضا تم تهميشهم في عملية ادارة ملف التحديات التي تواجهها الدولة العراقية ، وفي بعض الاحيان الغاء وجودهم كشركاء في التحالف الذي كان بمثابة السلم الذي اوصله للحكم . اذا ارادها السيد رئيس الوزراء ولاية ثالثة له فعليه ان يدفع ثمنها الباهض جدا هذه المرة ، اذ معناه الرضوخ لمطالب شبه تعجيزية للاطراف التي سترضى بالمشاركة في حكومة يرأسها، اذ ينبغي ان يتم تقديم تنازلت كبيرة جدا ، وقد تسيء للسمعة الوطنية لكتلة دولة القانون، والتي بدورها سوف تحجم وتقيد فرصته بالحركة وبالمناورة حد الشلل السياسي في ادارة الحكومة ، وبالتالي سيكون مصيرالولاية الثالثة هو الفشل الذريع . فالخصوم السياسيين لن يسمحوا له بتكرار سيناريو التهميش والتهديد والتنكيل، الذي عانوا منه في الدورة البرلمانية والحكومية المنتهية ولايتها . لذا فان الموافقة على تسنم ولاية ثالثة ، يكون فيها ، سياسيا وتنفيذيا ، مكتوف اليدين ، مقيد القدمين ،عاجز عن تحريك رقبته ، تشبه عدمها. وهنا سيسمع هذه الجملة من اقرب اقرب حلفائه من دولة القانون يقولها له وقد تملكه اليأس والحيرة والوجوم ....انت تريد وانا اريد والله يفعل ما يريد.
|