كروموسومات انقراض الرجل الأخير... د: ماجدة غضبان |
هذا محير جدا.. المكوّن المستدير يشاركني غيبوبتي.. يحنو على جسدي المتجزيء بين شذراته النباتية.. و ماساته الحيوانية.. يمر على المخطط البياني راصدا كل نأمات قعر الذكريات، و الصور التي تعرت من ضوضاء ألوان متشققة على شفاه الظمأ.. شعري قد توغل في برودة الإسمنت حتى أتحد بها.. كما فعلت تلك الجذور العصية على الإقتلاع المتفرعة من درنات جسدي.. يداي فحسب هما القادرتان على الحركة من كتلة مجهضة مشغولة بسيماء القمر.. تجازفان بتوهم حريره مارا من فوق الأصابع المقطوعة و المتورمة.. لطالما كان هناك..!! مدركا لصمته كما أفعل..!! قانعا بوحشة حنجرتي ، و الصدأ الغافي فوق صخورها.. _أتراها الكوة المحدقة بعينها الوحيدة ، هي التي صنعت من هلالها بدرا؟؟.. أم انه من بات لا يعنيه ترحاله حول مجسم الأرض ، فأصبحت إطلالته العدمية هذه قدرا محسوما يصرح بلا جدوى تنقلاته و شهوره وأطواره..؟؟.. لم توحدت خياراته مع ما اشتهيت؟؟ ، و هل يمكن أن يعد توالي الأيام و الشهور و السنين بسكينة الموت و زينة السبات خيارا؟؟..
هذه البقعة المزروعة بنوره ، هي بعض ما صرت أجده من نتف سحاب تسيّره ريح لا امسك بلجامها.. و لعلها كل ما تبقى من الجبال التي تكنى (بما مضى) في هذه العتمة الملتفة كرداء وحيد حول هشيمي.. انني أعيد نفضها و تغيير نسقها عند قدومه.. و ما أقصه من هنا ، لا أطيل حتى ألصقه من جهة أخرى عوراء.. لو إنه تجرأ يوما على الغياب ، ربما لعرفت كم من الزمن قد سار محملا بحطامي.. غير إنه مسمر حيث هو.. يمس حواف الكوه المرتعشة تحت رقته البالغة.. مفرطا بنسيجه الفضي.. ساكبا إياه دون ندم في مثلث او مربع او دائرة او أي شكل هندسي اقترحه أنا وفق مذاق جنون اللحظة المنتظمة في قلادة غربتي..
_أيمارس الطقوس ذاتها في الزنازن الأخرى؟؟.. و هل من زنازن أخرى؟ ، أم أنها حقا أشتات صهيل قيود أظنني اسمعها ، و صراخ آخرين أتوهم عذابهم في صالة التعذيب اليومي؟..
بعض من سيوله المتمردة تمر على الثكنات التي أعتلت كف يدي ، فأرى اجزاء من مرتفعات طحلبية الملمس ، لزجة ، تراكمت فوق بعضها لتتحول الى ما يشبه حراشف المخلوقات الزاحفة في فضاء صحراوي..
أنين بين وديان روحي يجلدني بقسوة.. و سؤال يستعذب حيرتي الممتدة من عهد ما قبل التأريخ حتى هطول ضياعي: _أيمس بخيوطه النادية بالغموض أناسا آخرين؟؟.. أهو بقرصه المتوهج يبتسم لأرض أخرى؟؟..
أتذكر أن له حِجرا يعرف _كما لا أكاد أجزم أحيانا_ بالسماء.. يتحرك ضمن منظومة قوانين صرت أشك في وجودها حقا.. ربما تاهت كرّاستي بين شك و يقين.. و ترامت جيوش أشباح ماض بين نزيف المداد.. و تنهيدات مساءات المخمل.. ربما.. لكن نسيم الموسيقى الناعم مازال يمس بعثرة الكلمات و الأوراق..
في العمق.. هناك جديلة من عشب غض ، و عاشقان يتضمخان بنزوة الربيع.. يتقلبان على خرير لذة بعيدة.. يصدحان بكل ما لا يبلغ سمعي الآن.. خيالَ السجان يرتمي فوق أغلالي ، يقف ببشاعته بيني و بين قبلة عذراء.. و مداعبة نهد يتبرعم تحت ثرى كوكب ندي.. القمر الذي يرافقني في رحلة سفينة عارية مشغول من رضاب ذاك ألأمس.. و دفء الجلد العاري الملتصق بغيره.. طعم رحيق يستقر بمفاتنه فوق لساني.. و باقات من بنفسج تجول في خاطري الشعث.. أنه يرطب ببيرقه الفضي ليلتي الهائمة بين جثامين الأزمان و الأمكنة.. يتنهد بين أنفاس تعثر عليها الصدفة في رطوبة محبسي.. لعله يدرك.. و قد يؤمن بهيكل تلك الشهوة المغتسلة بنقيع التأوه .. المضطرمة بجذوة ذاك الإلتحام.. المكوّن المستدير يشاركني غيبوبتي.. لا يغادرني.. و هذا محير جدا.. و أشد إيلاما من صعقات الكرسي الكهربائي.. اغوص في لحظة إتحاد تبددت.. أنحر على عشبها كل ما تلاها من رقاب التأريخ الذابل.. ظلال ثقيلة ترتسم على أغلالي.. ضجيج يخدش سكينة غلال القمر الضوئية: _ الى الزنزانة 365 أسير محنية الظهر.. أجرّ سلاسلي بعناء ، و بخرائطه المبهمة المرتسمة على محياه _عند الكوة الوحيدة_ يرمقني بحذر معهود.. اغلق عيني.. و أنسلّ من بين الصراخ ، و لغط الجلادين ، أعاود يقظتي بين ذرات ضياء الكوة العوراء.. ألتمس بترف ولّى مذاق رفقته.. متناسية أخاديد جروحي ، و أهمس تحت أبصار كثة _ و بمتعة تتمنع على سراقها_ همستي التي لأجلها أصبحت خليلة قيودي: _انه الرجل الذي كان..
|