ماذا ينقصنا ؟

* هنالكَ إحتمالَين ، الأوَل : هو أن نعترِف بأننا شعبٌ أقّل مُستوى من الشعوب الأخرى ، ثقافةً ووعياً ومعرِفةَ ، وأننا شعبٌ كسولٌ غير مُنتِج ، إتكالي خانع . وأن نُصّدِق النظريات العُنصرية ، ونستسلِم للشعور الذاتي ، بالدونية . أو الثاني : هو إدراكنا ، بأننا لانختلف عن أي شعبٍ آخر في الجَوهَر ، وبالرغم من ذلك ، لا نفعل شيئاً لللحاق بركب الحضارة والتقّدُم !. وكِلا الإحتمالَين ، مُؤشران على الحياة البائسة التي نعيشها والواقع المُزري الذي نحنُ فيهِ .
* فدولة صغيرة مثل " سويسرا " نفوسها بالكاد يُساوي نفوس بغداد فقط ، ومساحتها أقل من عُشُر مساحة العراق ، وليسَ لديها موارد نفطية ولا معادن ، ودولة داخلية ليسَ لها أي مًنفذٍ على البحر ، تتكون من 26 كانتوناً ، وشعبها من عدة أثنيات وطوائف ويتكلمون لغاتٍ مُختلفة .. هذه الدولة الصغيرة .. كانَ واردها القومي الإجمالي ، لسنة 2012 مثلاً ، عِدَة أضعاف الوارد الإجمالي للعراق ، علماً ان العراقيين ، سّمّوا المئة مليار دولار ، أي ميزانية العراق لتلك السنة " إنفجارية " ! . وبالطبع فأن السنين اللاحقة أيضاً ، شهدتْ الفرق الهائل بين وارد الدولتَين . مواردنا متأتية ، من سلعةٍ واحدة فقط ، هي النفط .. ليسَ لنا يدٌ في تواجده في أرضنا ، بل ان الطبيعة وّفرتْه لنا.. ولا نقومُ نحنُ بإستخراجه من باطن الأرض ، بل الشركات الإجنبية تفعل ذلك .. نحن فقط ، نبيع النفط ، ثم نجمع وارداتنا ونتفاخَر بأن ميزانيتنا إنفجارية ! . بينما هُم ، أي السويسريين .. بدولتهم الصغيرة ونفوسهم القليل ، وبدون نفط .. يعملون وينتجون ، فيُصّدرونَ الأجهزة الدقيقة والأدوية والكيمياويات وغيرها ، ويزرعون أراضيهم بأحدث الطُرُق ويُرَبون الماشية ، وينتجون الأجبان بكميات كبيرة ، ويطّورون النظام المصرَفي بصورةٍ مُستمرة ، ومنشآتهم السياحية على أعلى مُستوى... الخ . عموماً ، ان واردهم الإجمالي ، المتأتي من الصناعة والزراعة والسياحة ، يبلغ أضعاف أضعاف ، واردنا الإجمالي في العراق .
* يقول البعض ، ان " الدين الإسلامي " هو الكابِح لتقدُمِنا والمانع لتطورنا . أقول لهؤلاء : ان الشعب التُركي والشعب الماليزي ، مُسلمان ، لكنهما إستطاعا خلال عقدَين من الزمن فقط ، نقل بلدَيهما ، من التخلُف والركود الإقتصادي والمُعاناة تحت وطأة الديون ، الى بلدَين قويَين منتعشَين ، إقتصاديا وإجتماعياً .
مَهما يكُن حجم الإختلافات ، مع سياسة " أردوغان " وحزبه ، غيرَ أنه ، لايُمكننا إلا أن نحترِم مثابرته وتفانيه ، منذ أن كان رئيساً لبلدية أسطنبول ، ودوره في تطوير وإزدهار تُركيا .
أما " مهاتير مُحمد " ، فلقد كانتْ عينهُ على مّكة حيث القِبلة ، في كُل صلاةٍ يُصّليها .. لكن صلاته كانتْ تستغرق دقائق فقط .. وكُل الوقت الباقي ، ينظر فيهِ الى طوكيو وبكين ، حيث الصناعة والتنمية السريعة والتطور المُدهِش ! . 
أردوغان ومهاتير ، الحاكمان المُسلمان .. كانا نزيهَين ووطنييَين مُخلِصَين ، ولم يسمحا بأن يتغلغل الفاسدون الى مكاتب الإستشارات او الوزارات او القضاء او مواقع صنع القرار .. فنجحا إيما نجاح .
* حتى بعض البُلدان " المجهرِية " مثل سنغافورة .. الصغيرة " فمعظم محافظاتنا العراقية ، أكبر منها مساحة ونفوساً " ، والمفتقرة الى الموارد النفطية وغيرها .. إستطاعت ان تنهض بقوة وتصل الى مصاف الدول المتقدمة ، خلال العشرين سنة الماضية . بل ان سنغافورة العاصمة تُعَدُ من أنظف مُدن العالم . ناهيك عن بُلدان حديثة التكوين نسبياً ، مثل الإمارات العربية المتحدة ، ذات الطبيعة الجغرافية القاحلة ، والتي نفطها أقل من نفطنا كثيراً .. تمكنتْ أن تتطور بصورةٍ مُذهلة خلال العقدَين الماضييَين .

فماذا دهانا نحنُ ؟ وما الذي ينقصنا يا ترى ؟ علينا أن نقوم بعمليتَين بالتوازي : الهَدم والبناء . هَدم منظومة القِيَم المتخلفة التي ترَبينا عليها ، والقائمة على الوَهم والنفاق والزيف والإتكالية والخضوع الأعمى للحاكم ، من ناحية . وبناء الإنسان وفق اُسُسٍ صحيحة من ناحيةٍ أخرى ، من خلال نظامٍ تعليمي وتربوي حديث . وكِلا الأمرَين ، بحاجة الى عملٍ مُخلِص ومُثابرة ونزاهة . هذا كُل ما نحتاج إليهِ : تنمية بشرية مُستدامة . فينشأ جيلٌ خالٍ من الأمراض الإجتماعية المُزمنة .. جيلٌ لا يقبل أن يُسّيِرهُ دكتاتورٌ أرعن ، أو يخضع لسطوة وظُلم حزبٍ أو حفنةٍ من السياسيين الفاسدين . نستطيع خلال 15 – 20 سنة ، أن نصبح شعباً مُحترماً ودولةً ذات شأن !.