رجل من بلادي... شعر: عبد الجبار الفياض

مُنحنٍ 
تقوّسَ جسراً لأيامٍ 
بيعتْ لسماسرةِ الوسخِ الأبيض . . .
أضافَهُ الزّمنُ الأحنفُ 
لمدونةِ حُفاةٍ 
يكتبون التاريخَ بخشونةِ أصابعِهم 
ويقرؤونهُ على سَبخِ أرضٍ حُبلى 
بسماءٍ أخرى . . .
فليتَ البعوضَ 
يُدركُ أنْ لا عيشَ لهُ 
بغيرِ مُستنقعِهِ المُستأجَرِ لنقيقِ ضفادعِه . . .
وأنَّ الثُريا تهبطُ لتقبّلَ الثرى 
حينَ يجمعُ حطباً لحرقِ نفاياتِهِ الملوّنة . . . 
. . . . .
توالدتْ على ظهرهِ سنونُ الانسلاخ 
فكانَ لها أرضاً خِصبةً ولوداً
ولهُ الجَفاف . . .
لكنَّ
بزيتِ النهاياتِ لا يُمكنُ أنْ توقدَ مشاعلَ الزّفاف . . .
فالحلاّجُ 
على نخلتهِ المجذوذةِ الأثداء 
يتّكأُ صَلْبَاً 
ويهشُّ به على غنمٍ ثولاء 
لا تُجيدُ غيرِ ترتيلةِ الثغاء . . .
. . . . .
أفاقَ 
لم يجدْ نفسَهُ سوى خشبةٍ مُهملةٍ 
كَتَبَ عليها زمنُهُ 
(صوتُ صفيرِ البُلبُل)
مهداةً
لجيلٍ أضاعَهُ أقزامٌ 
ولدوا بعيْنٍ واحدة 
وبألفِ يَد . . .
يُكيلون حصادَ يومِهم بخفٍّ مُهترئٍ للبهلول
لا يُريدُ أنْ تقرأَ قبلَ موتِهِ 
فيموتُ مرتين . . . 
فأوصى 
أنْ تقرأَ ( طرطرة) عند قبرِه 
من جلوس !
. . . . .
في عينيْهِ 
تشابهتْ قرونُ البقر . . . 
وذهبتْ الألوانُ 
لوناً واحداً قاتماً 
يرسمُ مواسمَ جرادٍ 
وسباقَ ثعالب 
وأقنعةَ حوارٍ 
ذهبَ نصفُهُ في مساربِ سُخفاء 
خلّدهم التاريخُ في باطنِ حذائه . . . !!
. . . . .
نحتوا منهُ أيقونة ًلنهرٍ 
ظمئتْ شفتاه . . .
ولنخلةٍ جفَّ ضرعُها 
ولا فطامَ
ولجنديٍّ فقـدَ هُويتَه 
فخمدتْ نارُهُ إلى الأبد . . .
. . . . .
ما كانَ الطّينُ مُقدّساً 
قبلَ أنْ يُخضبَ قدمينِ 
أصطحبا هذا الجسدَ المنحوتَ علامةَ استفهامٍ كبرى . . . 
ولِجَ عتبةَ صمْتٍ مُترسّبٍ في أفواهِ الموْتى 
فتكلَّمَ على شفاههِ قديسٌ منزوعُ الخوفِ 
يلتحفُ مسوحَ الآتي 
ويمسحُ على رأسِ الأمس . . .
كيفَ تُترجَمُ آهةٌ من غيرِ حروف !!
. . . . . 
وجهٌ 
بأخاديدِ نبيٍّ مسّهُ ضُرٌّ 
فنادى مِلأَ الأسترحام 
وما وسعَ لهُ من صبرٍ قلب . . .
بسمرةِ البصرةِ 
حينَ تسكبُها خمرةً على شفةِ صباحٍ نديّ
يغمرُ أرصفةَ تيْـهٍ 
شربتْ ظلَّ السائرين نحو الشمس 
خارطةَ ألمٍ من غيرِ حدود . . . !
. . . . .
لوحةٌ 
أبدعَها احتواء 
ما أظلّتْ كمثلهِ على مرِّ السنينِ سماء . . . 
مطرقةٌ 
قيـْدٌ 
لفافةُ تبغ 
هتافٌ ضاقتْ به حنجرةُ المكان . . .
وسامقٌ 
تصلّي خلفهُ كلُّ عصورِ الحاملين 
عِشقاً 
وحلمَ أرضٍ تفتحُ بابَها للشّمسِ من غيرِ رتاج . . . 
العابرين برزخاً 
يأجوج ومأجوج 
فارزةً بين سُلالةِ الألوان . . . 
المانحين سنينَهم قطراً 
يُغيثُ تصحّرَ الأيـّامِ حين تمرُّ غاربةً تبحثُ عن غيوم !
. . . . . 
لا أُسميه
لأنّهُ بدايةٌ 
ولا يكونُ بعدَها
غلقَ نافذةَ الفضاء . . .
وَلَهَاً يموتُ المبحرون 
إلى مُقدّسةٍ 
لا تدخلُها قَدَمٌ 
إلآ بعدما تخلعُ ما عليها من نفاق 
إلى عِشقٍ 
أسمُهُ عراق !!
. . . . .
البصرة
16/5/2014