لم نعود أنفسنا على تناول قضايا شخصية لكي نبتعد عن الإساءة عما هو خاص وشخصي لان ذلك قد يجير على أساس الحسد والغيرة وهذا غير مقبول في العرف النقدي العقلاني الايجابي الهادف إلى الإصلاح والبناء وليس التدمير، لكننا في هذه المرة وجدنا أنفسنا أمام حالة لا يمكن فصلها عن الواقع المزري الذي يتعايش معه شعبنا العراقي، وهذه الحالة لم تعد محصورة بذات الشخص المسؤول بقدر ارتباطها بما يجري من تفاهات وترهات وما تمر به البلاد من تخلف وتراجع عن ابسط الخدمات وقضايا أخرى كثيرة، وفي هذه الحالة ليس من المعقول السكوت على ما هو مضر وخاطئ في ما هو عام وشامل لأنه يسبب الأضرار للمجتمع بما فيها من يعمل بإخلاص وتفاني وهو في الظل لا يهدف إلى تحقيق مصالحه الشخصية والذاتية، لأن فلان أو عِلان المسنود من قبل جهة لديها القوة الحكومية في التعيينات الوظيفية الكبيرة، كما أنه لا يمثل شخصه بل لما يشغله من منصب حكومي فيعتبر مسؤولاً عن تصرفاته وتصريحاته التي تخص الشأن العام، ومثل هذه النماذج الموجودة لا تضحك على ذقون فئة محددة وقليلة فحسب بل هي تستهزئ بعقول مئات الآلاف بما تطلقه من أراجيف واكاذيب وخداع وتمويه الواقع الحقيقي لخلق وهم لدى المواطنين وتضليل الطريق أمامهم للمطالبة بالحق والحقوق ولا سيما إذا هذه النماذج تظهر وتصرح لوسائل الإعلام المقروءة والمرئية بما فيها القنوات الفضائية وتطلق الترهات التي لا يمكن أن يصدقها المختل عقلياً فكيف من لهم عقول راجحة، مثل هذه الحالة المؤسفة التي تتنافى مع أية أصول منطقية هي حالة السيد " نعيم عبعوب " وكيل أمين بغداد، فهذا المسؤول الحكومي الذي عُيّن بامتياز مسنود ملئ العراق بالتصريحات غير المعقولة فمنها مهضوم بصعوبة بالغة لكنه في الوقت نفسه يخلق عسر فهمي من الصعب التخلص منه، ومنها غير مفهوم لا نعرف ماذا نسميه أو كيف يمكن أن نصنفه بل لا توجد بالمطلق إمكانية تصنيفه إلا اللهم مثلما قال احدهم انه " أَضربْ من غوبلز الكذاب فذاك مبدأه الكذب لكسب الحرب وهذا مبدأه التشويه وقلب الحقائق بالترهات لخداع وعي المواطن". ففي آخر تصريح متلفز نشرته وكالة " كنوز ميديا " والعديد من وكالات الإعلام والمواقع الالكترونية قال ( واسمحوا لي بدون إزعاج أن انقل المقاطع نصية وحسبما نشرت حتى تستطيعوا استيعاب هذا التراث المذهل في فنّ الدجل ) " زرت اليابان في وقت سابق والتقيت بأحد الأشخاص وقال لي (الله يكون بعونكم على حجم الفساد المستشري في بلدكم) فقلت له (أين يوجد فساد في العراق؟؟) رد علي قائلا لا علم لي لكن المسؤوليين العراقيين يقولون هذا الشيء" .. لكن أيها السادة القراء شر البلية ما يضحك لأننا لا نعرف كيف قالها الشخص الياباني المجهول ( الله يكون بعونكم ) ولم يشرح لنا السيد نعيم عبعوب كيف ذلك!! ولا نعرف بأي مناسبة ولماذا قال الشخص الياباني المجهول ( الله يكون بعونكم ؟).. ثم يزيد نعيم عبعوب وبانفعال متلفز في مفهومه الحضاري حول الفساد وما يملكه من ثراء أكاديمي تخصصي " نحن فضحنا أنفسنا وهذا (عيب) والله العظيم (عيب) حيث أن الفساد موجود في اليابان لكن لا يعترف به ، وان الفساد في اليابان أكثر مما موجود في العراق ودليل ذلك أن متر المقرنص في العراق يتم إنجازه بملغ (40) دولار في حين يتم إنجاز المتر في اليابان بـ(5) آلاف دولار والفرق نحن غير منظمين وهم منظمون". ما هذه النكتة البائسة ( منظمين وغير منظمون ) ـــ هل من المعقول أن شعبنا العراقي حوالي أكثر من (30) مليون كلهم (مخربطين مخربطون!!) ـــ أهي سخرية الواقع السياسي أن نبتلى بهذا النماذج مثلما ابتلينا في السابق ولا داعي لنذكر الأسماء والشخصيات التي أصبحت في مزبلة التلفيق والكذب والرياء؟ ـــ وهل من المعقول أن يصدر هذا الكلام من مهندس زراعي حصل على شهادة الماجستير؟ في ( إدارة المشاريع وتخصص في مجال البيئة من (سانت كلمنتيس وبتأييد من الجامعات كامبرج وأكسفورد ) ؟ ـــ كيف يمكن مقارنة العراق الذي يصدر النفط بالمليارات والذي يعاني من الفقر والجوع والبطالة والزبالة مع دولة اليابان الذي تشتري النفط لكنها تغزو العالم بصناعاتها وفي مقدمتها السيارات والتلفزيونات والأدوات الكهربائية الالكترونية وغيرها، عن أي فساد في اليابان يتحدث هذا الرجل ويعتبر الفساد في اليابان أكثر من الفساد الذي يغطي كامل العراق! لا عتب وليس من العجب من كل ذلك فقد أدلى الرجل في السابق بدلوه المعرفي العلمي!!عندما غرقت بمياه الأمطار والمجاري مناطق وشوارع بغداد وعم الدمار آلاف المنازل والبيوت والمحلات فاذا به يوعز ذلك إلى صخرة تزن " 150 كغم " ألقيت في أحدى الأنابيب في منطقة الشعب فأغرقت بغداد وقد سميت في وسائل الإعلام وعلى السنة أكثرية المواطنين " بصخرة عبعوب ". ثم عاد ليخلق أزمة في المعرفة عند مئات الآلاف ليس عند المواطنين العراقيين فحسب بل كل من سمع تصريحه عن الخدمات في مدينتي " نيويورك الأمريكية واربيل العراقية وإمارة دبي الذي أطلق عليها وصفاً ساخراً " زرق ورق " فجعل الناس تسخر منه ومن الذي فرضه بالقوة والجاه والمسؤولية "أمينا للعاصمة بغداد بالوكالة" فرضه على الرغم من المعارضة الواسعة لتعيينه وفي مقدمة المعترضين شروان الوائلي الذي قال أن رئيس الوزراء " غير مقتنع بشخصية العبعوب وقد وضعت بنفسي أمامه ملفه في الفساد" وأشار الوائلي إلا أن رئيس الوزراء يعتمد في بعض الأحيان في أن " يفتقر إلى التشخيص الدقيق والقناعة التامة ولكنه يشجع ويحتضن ما يسميهم أهل المواقف بغض النظر عن فسادهم وفشلهم ". حتى المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء علي الموسوي الذي لم يستطع ان يغمض عينيه ويسكت على الفضيحة وبعد سماعه تصريح العبعوب بان بغداد تعد من أنظف " المدن والعواصم "والبلديات تعمل فيها أكثر من بلديات " المدن الكبيرة كواشنطن " رد عليه بالقول " ان يضبط إيقاع تصريحاته غير المسؤولة وأن لا ينسى نفسه" أما مقتدى الصدر الذي كان نعيم عبعوب من أتباعه فقد أجاب على سؤال حول تعينيه بالقول " لن اعلق سوى أني لم أتصور يوما أن الشعب سيقتنع بذلك ويسكت". وكما ذُكر فقد كانت هيئة النزاهة قد اتهمت العبعوب بقضايا فساد مالي وإداري والقي القبض عليه وأفرج عنه بكفالة مالية كبيرة وقد قيل في حينها لأنه من الشخصيات المقربة لرئيس الوزراء نوري المالكي. من يتصور هذا الفضح من المقارنات في الخدمات فيدعي بأن بغداد " أفضل من مدينتي نيويورك الأمريكية واربيل العراقية، ووصفه لأمارة دبي الإماراتية بزرق ورق".. زرق ورق يا ظالم النفس ماذا يقول المواطنين في الزعفرانية الثانية والشعلة وكل القطاعات في مدية الصدر ( الثورة ) وبغداد الجديدة والأمين والصدرية والبياع والمنصور و حي دراغ وشارع الكندي وكل المناطق الشعبية التي تعاني من سوء الخدمات وروائح الزبالات!! يا من تخادع الناس بخداع نفسك ألم تسمع وتقرأ تهكم وغضب المواطنين العراقيين واستياءهم وسخريتهم منك بسبب هذه التصريحات غير المسؤولة، فبغداد التي كان من المفروض أن تكون في مصاف المدن النظيفة والمتطورة مع شديد الأسف تقبع في أسفل قائمة أفضل المدن وقد شملت الدراسة التي قدمتها ( ميرسير Mercer Consulting) للاستشارات حوالي " 223 " مدينة من بينها مدينة بغداد التي لم يطرأ أي تغيير على موقعها منذ عام 2011 حيث بقت في أسفل قائمة المدن على الرغم من الدعم المالي الكبير وهناك مدن افريقية تقدمت عليها مقارنة مع ذلك الدعم المالي وقد شبهت ميرسير مدينة بغداد " كوعاء إسمنتي كبير ". إن تصريحات السيد نعيم عبعوب خلقت نوعاً من السخرية التهكمية والنكتة العراقية المعروفة حتى ألفت الأغاني و" البستات العامية " العراقية لدى كل من اطلع عليها وأصبحت مثالاً سيئاً للواقع المزري الذي سببه الفساد والفاسدين الذي يشدّ من خناق التطور اللازم للبلاد ويقف عائقاً أمام تبوّء القدرات العلمية والأكاديمية المخلصة للمكان الصحيح في الدولة العراقية لكي يساهموا في البناء والتقدم ولا يسرقوه تحت طائلة الحجج الكاذبة التي من خلالها يجري تغطية الفساد والفشل الذي ينخر مؤسسات الدولة من الرشاوى إلى الاستيلاء على المال العام.. ومدينة بغداد خير مثال وبخاصة إذا عرفنا أن الحكومة العراقية تعتمد في موازنتها أكثر من ( 100 ) مليار دولار لها .. إلا تقولوا للسيد نعيم عبعوب وأمثاله " ولله في خلقه شؤون " ـــ وهل يوجد عتب أو عجب من ذلك؟!
|